وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*
) قران كريم(
د. توفيق رفيق آلتونچي
“الصراع على العظمة الكبيرة”، هكذا يصف الشعب الروماني في جمهورية رومانيا النضال من اجل الحفاظ على الكرسي والسلطة وما يأتي به ذلك المنصب من مكانة وجاه و مميزات اخرى كثيرة لصاحبه.
كتابتي هذه تاتي مع بداية عام جديد أحاول فيها ان التفت الى الوراء اي الماضي القريب وذلك بعد مرور عقدين على نهاية الدكتاتورية مع احتلال العراق وتأسيس جمهورية العراق الاتحادي . شاهد العراق العديد من المشاكل وعدم الاستقرار والتحديات الكبيرة الداخلية منها والخارجية في هذه السنوات. ولا تزال هناك الكثير من تلك التحديات الداخلية والخارجية. علينا قبل كل شيء ترك الماضي وماسيه والبدا من جديد بفتح صفحة تصالحيه جديدة بين ابناء الوطن الواحد لان ورغم المعوقات نرى ان هناك جيل جديد ترعرع في السنوات العشرين الأخيرة بجرية ولو نسبية دون فرض رأى من سلطة الحزب الواحد وعلى الاقل عاشوا في ضل أجواء حرية سياسية و دينية وآلتان كانتا مفقودتان ابان الحكم البائد السابق. هؤلاء هم حملة الراية في المستقبل وسيكون مستقبل البلد بأيديهم بعد ان يكون الجيل القديم قد اودع روحه لدن البارئ عز وجل.
“الثروة الحرام ثوب من النار” هذا ما تعلمتاه في تراثنا الديني خاصة اذا كان الثراء على حساب الشعب المظلوم ومن المال العام. المنصب ( كرسي الحكم) بكل بساطة يعطي الشخص مكانة من خلاله يستطيع حتى مسح سيرته الذاتية السيئة منها وحتى الإجرامية والجنائية وكتابة تاريخ وسيرة شخصية ناصعة وخالية من الشوائب لنفسه وربما يضيف اليه بعض الشهادات الجامعية والألقاب العشائرية ، الدينية والأكاديمية كذلك.
كل هذا يتم وببساطة عن طريق الانخراط في حزب سياسي وعن طريق المراوغة والنفاق التدرج والوصول الى المناصب القيادية واحيانا يكون المنصب وراثيا خاصة بين العوائل التي امتهنت السياسة ابا عن جد او امتهنت الدين اي كان اجدادهم من المعميين كما نراه في النموذج اللبناني.
نحن في العراق ومنذ الأزل ابتلينا بأناس همهم الصعود الى اعلى منصب ودون اية مؤهلات سوى النصب والحيلة والجريمة والخيانة وكل وصف بذيء يمكن ان يوصف به البشر. هذا الإنسان المريض عقليا والغير متزن فكريا تراه حين يتبوأ مكانة مرموقة ووظيفة حساسة في المجتمع يبدا بظلم الناس وحتى قتلهم ومحو ديارهم. التاريخ مليئ امثال تلك الشخصيات المريضة بجنون العظمة كما كان علية القيصر نيرون الذي يوعز اليه حرق مدينة روما.
يعني مربط الكلام (الحچي) ، ان سلوك المضطهد ليس كسلوك الظالم ولكن حين تنقلب الأدوار ينقلب السلوك معه. ورغم ان الكريم يبقى كريما والخسيس ، خسيس. لكن حتى الرحمن سبحانه وتعالى ” لا يغير ما في نفوس الناس”. لهذا نرى اليوم انتشار الفساد والظلم واكل مال اليتيم وعدم احترام العلم والعلماء مع انتشار المحسوبية والرشاوي والفساد بجميع انواعه وطبقاته. لكن هؤلاء “المجرمين” هم الأكثر تشددا فيما يخص العبادات الدينية فهم يسارعن قافلين رحالهم يحجون كل عام بيت الله الحرام وهم في سباق للوصول الى اكبر عدد من الحج والعمرة وتراى” سيماهم في وجوههم من اثر السجود” رغم ان البعض تمكن من رسم تلك السمة (تاتو اي الوشم) على جبينه.
الامر لا يستوي عند الرجال ولكن انتشرت العاهة بين النساء خاصة تلك النسوة من الاتي كن تفترشن الشوارع لبيع كل محظور فتراهن اليوم حين تتحدثن كما تتحدث اي ساقطة وسرسرية “حياسز ” يعني بدون حياءوبعبارات نصفها نحن العراقيين ب “السوقية”. طبعا لها لقبها الكبير ،(الحجية) لانها فعلا تحج كل عام وتغسل ذنوبها كالرجال وتعود كما ولدتها امها.
المصيبة كما ذكرت آنفا نجد ان البعض منهم من المعممين المتاجرين بالدين. الظلم لا يدوم ( يا ناس) ابدا ولكن الظالم لا يفهم هذه المعادلة الا حين يرمون التراب على عينه وهو ممدد في قبره هذا اذا وجد له قبر. المنصب اشد ظلما وقسوة على العباد حين يكون صاحبه ممن يحب ان يامر بالمعروف ويقضي بين الناس او يكون محاميا وحاميا لمصالح الناس او محاميا يدافع عن حقوق الناس ويتبوأ ذلك المنصب ( خسيس) ظالم يعني كما يقول العراقي (حاميها حراميها). ماذا سيحصل بالعباد يا ترى انذاك؟؟؟.
هل مقولة ” الي يجيب نقش ، عوافي” اكتشفها فقط الشعب العراقي؟؟؟ التاريخ مليء بحوادث مأساوية فيما يخص الصراع على السلطة ولا توجد فترة تاريخية مر على البشرية دون تلك الحوادث . وما أعظم من جريمة اذا قام به اب بقتل ابنه او يزيحه عن كرسي الحكم بالقوة واستخدام العنف واحيانا يسجنه مدى الحياة. الاخ يقتل اخيه منذ ماساة هابيل وقابيل لحد اليوم. حب العظمة جنون بشري يوجد تلك السلوكية متاصله في طبع البشر كما عليها عند الحيوانات. تلك الصفة الحيوانية تظهر بمجرد ان يجلس الحاكم على كرسيه. الصفة ليس مقترنة بالذكر فقط بل الانثى كذلك لها نفس الطبيعة والسلوك.
لا ريب ان الجاه والثروة يلعبان لعبتهما الشيطانية في نفوس البشر ،( دينهم دينارهم) قالها الأولون. لكننا يجب ان لا ننسى ان الملك (الكرسي) يغير من طبائع البشر كذلك. الحاكم الذي يرى نفسه يقرر بجرة قلم من يعيش ومن يموت والقانون مجرد كلمات ينطقها سيجد نفسه يعطي العفو او الجزاء بالموت للناس. هذه هي صفة ينحصر به الخالق فقط فسبحانه تعالى يحيي ويميت ويعفو عن من يشاء من عباده.
اما اذا كان الحاكم متهورا او غبيا بطيء الفكر والتفكير وربما فيه بعض علامات الجنون تتراه يبطش بالعباد و بالبلاد ويدخل الحروب ويستهتر ويفسد بالمال العام ثم يخسر الحياة الدنيا والآخرة معا. وهذا النموذج يتكرر دوما خاصة في دول الشرق. هذا النوع من الحكام والذين ابتلينا بهم مغامرون طغاة ومعظمهم اما من العسكر او بقدرة قادر يتحولون في يوم وليلة الى جنرالات على صدورهم عشرات الانواط والنياشين. واكثرهم من الفاشلين والعسكر والمغامرين. الاستثناء يؤكد القاعدة دوما. الواقع يرينا دوما وجود متطفلين من المنافقين والمستفيدين من هؤلاء الحكام الجهلة يطبلون ويتغنون بمغامرات الحاكم المتهور ويغالون في المديح وتعظيم اعماله مهما كانت تافهة.
أتذكر انه روى لي احدهم بانّ وزيرا للزراعة زاره رئيس البلاد في وزارته فقام هذا (اللگام) المنافق بكيل المديح للحاكم مبالغا في الإطراء قائلا على الطريقة المصرية ( زارنا النبي ) وهذا جعل من الحاكم ان يلتفت الى موهبة الرجل فقال له انت مكانك في وزارة الثقافة وليس الزراعة وهكذا كان. وبعد ان جلس على كرسي وزارة الثقافة جمع جميع الطبالين والمزمارين والمداحين للتطبيل والمديح للقائد “حفظه الله و رعاه”. كنت قد كتبت عن المغالاة في الحديث في التراث العراقي ويدخل المديح الكاذب الى صنف المغالاة والنفاق في الحديث. لطني يجب ان اعترف بان هذا السلوك عام عند البشر. تصور احدهم في مكان العمل فجا يصبح رئيسا للقسم ويجلس مع رفاق الأمس في الاجتماع الصباحي ويروي للجالسين نكتة (دعابة) سخيفة ترى جميع ممن يجلسون معه حول الطاولة يضحكون رغم ان الدعابة غير مضحكة، ولا يتجرأ احدهم ليقول له هذه النكتة سخيفة، بايخة او حتى قديمة. الإنسان يتلون مع البيئة فمجرد تحول زميل له الى مدير يتغير سلوكه نحوه. قد يعتبر البعض ذلك من باب الاحترام على أساس ” بين الأحباب تسقط الآداب” كما يقال عندنا نحن اهل العراق.
العراق الاتحادي الدستوري بقضاء مستقل وخال من أي مظاهر مدنية مسلحة خارج عن القانون والتنظيم الرسمي للجيش العراقي من ميلشيات وقوات او جماعات اخرى غير نظامية تابعة للاحزاب السياسية.
اما النظام المثالي حتى لو كان خياليا كالمدينة الأفلاطونية الفاضلة (المدينة التي يعمها السلام ويعيش الناس فيها في حب ووئام، وهي المدينة التي تكسوها الأخلاق وتعتليها المبادئ السامية ويترك ادارة الدولة للحكماء والعلماء والعارفين بأمور السياسة) فتكون الدولة فيه ذا نظام مدني ويترك امر الدين للبرلمان خاص بالديانات والعقائد يتم انتخابهم عن طريق الانتخابات العامة كما هي عليها في مملكة السويد وبهذا يفصل أمور الدنيا السياسية وأمور الدين التي تخص بعلاقة البشر بالخالق عز وجل. اما السياسة وإدارة أمور الدولة من علاقات خارجية وتجارة فتترك لأحزاب السياسية التي تكون لها برامجها العلنية والتي بموجبها يختارهم الشعب لإدارة الدولة. التعددية والاتحاد الطوعي ضمان لبقائه وكينونته العراق في المستقبل بعيدا عن مغامرات العسكر وحاملي الأفكار المتطرفة، عراق التعايش المشترك ألتعددي الثقافي و العرقي، اثنيا، قوميا، لغويا وعقائديا.
الأندلس 2024
عذراً التعليقات مغلقة