خيانة .. قصة قصيرة للكاتبة المغربية لطيفة حمانو

خيانة .. قصة قصيرة للكاتبة المغربية لطيفة حمانو

آخر تحديث : الأربعاء 24 يناير 2024 - 4:11 مساءً

خيانة 

لطيفة حمانو

Screenshot 2024 01 24 at 14.46.53 - قريش

 كان زوجها آخر  شخص ترغب في رؤيته ذاك الصباح ، لم تكن تريد أن يفسد  حضوره مزاجها  …كانت تعتني ببعض النباتات في حديقة المنزل وهي تدندن لحنا ثوريا: أنا ثائر أنا ثائر والخط حسيني سأثور بوجه الظالم … ظلت تعيده متأثرة بما يحدث في غزة من قتل ودمار، كان من عادتها أن تسمع فيروزيات الصباح لكن منذ بدء الحرب بدأت تخجل من سماع الموسيقى وأشخاص يقضون أيامهم تحت القصف، كانت تحس أن حياتها العادية خيانة لمن يعانون ويلات الحرب ، لهذا كانت تحاول أن تهرب من حزنها بأي طريقة، واختارت هذا الصباح سقي بعض الأزهار التي غرستها قبل يومين ….

ألقى زوجها التحية ببرود، ردت عليه ببرود مضاعف، ولج المنزل، تابعته بنظراتها وجدته قد قصد الطابق العلوي، اعتقدت أنه يريد الاطمئنان على الفتاتين، أكملت ما كانت تقوم به دون اكتراث لقدومه، وكأنه شخص غريب دلف المنزل وليس زوجا قضت معه بضع سنوات من عمرها قبل أن يعلن نهاية قصتهما ويبحث عن بطلة جديدة لحياته ويتركها بين مطرقة الغياب وسنديان العذاب.  

رائحة عطره النفاذ اخترقت حواسها وأشعلت لهيب أشواقها التي ما فتئت تئدها في كل لحظة وتتغاضى عنها بملء أوقاتها بمجموعة من الأنشطة بين ممارسة الرياضة وتعلم اللغة الإنجليزية، والانخراط في جمعية لرعاية أطفال طيف التوحد لاكتساب الخبرة للتعامل مع ابنتها الصغرى.

 اليوم جاء ليسمع ردها بخصوص قرارها مغادرة مدينتها الصغيرة والاستقرار بالعاصمة، فقد عرض عليها الموضوع منذ أن بدأ يرتب حياته هناك فقد افتتح مكتبا إضافيا للهندسة المعمارية وقرر مغادرة البلدة الصغيرة رفقة زوجته الجديدة التي لم تكن سوى صديقتها المقربة التي طلبت منه تشغيلها عنده بسبب ظروفها القاسية.

كانت مغادرة المدينة فكرة الزوجة الجديدة التي أرادت أن تغادر البلدة الصغيرة بعدما استنكر الجميع زواجها بزوج صديقتها المقربة، فأرادت أن ينسى الناس حكايتها وتبدأ حياة جديدة عل ذلك يقلل من تعبها النفسي الذي تعانيه، فمنذ زواجها وهي تعيش في جحيم من الشك والغيرة لدرجة أنها تتخيل وجه صديقتها في زوايا المرآة تارة تعاتبها على خيانتها لثقتها وتارة أخرى تهددها بالانتقام منها مما جعلها تفكر في ترك المدينة بأكملها ….

 لا لأن أغادر بلدتي، قالتها بصوت واثق وهادئ.  – 

 لن أستطيع الحضور بانتظام لرؤية الفتاتين وتلبية طلبات البيت. –

 من طلب منك الحضور؟ أنت اخترت حياة أخرى فلتستمتع بها.-

 أنا مستمتع بحياتي لكن واجبي تجاه أبنائي يحتم على التواجد بانتظام معهم. –

أجابت بلهجة ساخرة:

ـ العاصمة لا تبعد عنا كثيرا، يمكنك أن تشرفهم بحضورك متى أردت ذلك.

  قطع رنين الهاتف حوارهما، فقد اتصلت صديقتها لتتأكد من حضورها للوقفة التي ستجسدها ها فعاليات المجتمع المدني تنديدا بالمجازر التي يرتكبها الصهاينة في قطاع غزة، أجابت بحماس:

أكيد سنلتقي هناك، إنه أضعف الإيمان أن نحضر في وقفة تضامنية مع إخواننا في غزة.

سألها زوجها مستنكرا:

ـ هل ستشاركين في الوقفة التضامنية؟

ردت بجفاء:

ـ نعم، هل لديك مانع 

ـ تضامني مع ابنتك المريضة، واجلسي معها في البيت فهي بحاجة إليك خير لك من التضامن مع أناس بعيدين عنك.

ردت بسخرية:

ـ هذه قضيتنا جميعا، كما أن خروجي لساعة أو ساعتين لأمر مهم لن يؤثر على ابنتي كما أثر عليها غيابك الدائم.

جلست تشرب فنجان قهوتها بهدوء وتشاهد تشاهد شاشة التلفاز وهي تنقل الفظائع التي تحدث في غزة وصحفي ينقل الأحداث لينفجر باكيا بعد موت زميل له: “لا نستطيع أن نحتمل لقد أنهكنا ،إننا هنا ضحايا ، شهداء مع فرق التوقيت فقط نحن نمضي الواحد تلو الاخر ولا أحد ينظر إلينا، ولا إلى حجم الكارثة التي نعيشها في غزة ، لا حماية دولية على الاطلاق ،مجرد شعارات ….”.

 استغرق زوجها وقتا طويلا في الطابق العلوي وعندما سمعت وقع أقدامه تنزل الدرج استدارت لا إراديا لتتفاجأ به يحمل حقيبة في يد وفي يده الأخرى حاسوبه الشخصي، أدركت أنه جاء ليأخذ ما تبقى من ملابسه وأغراضه، تزايدت نبضات قلبها حاولت السيطرة على انفعالها المفاجئ وهي تتأمل بحزن مشهد مغادرته للبيت الذي جمعهما معا لسنوات طوال، بحلوها ومرها.

عندما سمعت صوت سيارته تبتعد أحست ان زلزالا بقوة مرتفعة ضرب منزلها ومدينتها وحياتها بأكملها، استعادت رباطة جأشها ولم تفكر في شيء سوى خيانته لها ولأسرتها مما جعلها أكثر قوة وهي تواجه هذا الموقف الرهيب الذي لم تتوقع يوما أن تعيشه بمثل هذه التفاصيل الحزينة.

عادت في المساء منهكة بعدما شاركت في المسيرة التضامنية مع غزة حيث صدحت حنجرتها بشعارات تدين القتل والتنكيل الذي تتعرض له غزة، وكذا صمت المنتظم الدولي. 

 أحست بفراغ قاتل وهي تتناول العشاء مع ابنتيها وبذلت جهدا لتتحدث إليهما وهي تدافع عن والدهما وتشرح لهما ظروف عمله الجديد وضرورة تواجده في العاصمة.

في غرفة نومها وجدت نفسها تفتح دولاب زوجها وترى بعض ملابسه التي تركها، تمسك قارورة عطره الفارغة، تقربها من أنفها وتغمض عينيها وتتذكر أياما مضت من حياتها قبل أن يقطعها خنجر الغدر.

قطع رنين الهاتف سكون الليل، استغربت توقيت المكالمة، لكنها أجابت بحذر لتتلقى النبأ الصادم:

ـ سيدتي، زوجك تعرض لحادثة سير أودت بحياته في الطريق السيار هو ورفيقته في السيارة.


المغرب
خاص لصحيفة قريش = ملحق ثقافات واداب – لندن
كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com