د. محمد عياش
كاتب وباحث فلسطيني
تقفز «إسرائيل» كالعادة فوق كل شيء ، كأنها تلعب لعبة الباركور ، لا تعير عدّاد القتلى الذي لا يتوقف وهو يضيف الأطفال والنساء والشيوخ وحتى الحيوانات لم تسلم من الهمجية الصهيونية ،- أي انتباه – ولا مجرّد التوجُّس من المحاسبة والمساءلة ، فهي وراءها ظهر تستند عليه ، الولايات المتحدة الأمريكية التي تشبهها من حيث النشأة والهدف والمصير …
فوق هذا القفز ، يطرح ما يسمى وزير المالية الصهيوني يتسلائيل سموتريتش رؤيته بالدعوة لسكان غزة بالرحيل ، وذلك عن طريق إقناع بعض الدول الصناعية الكبرى مثل كندا بالقبول بأعداد كبيرة وتشجيع المستوطنين بالعودة للقطاع وبناء مستوطنات جديدة ، وبهذه الفكرة تنتهي «إسرائيل» من الصداع المستمر من غزة ، ليضع بعد ذلك سموتريتش إكليلا ً من الورود على ضريح رئيس الوزراء الصهيوني الراحل اسحق رابين مكتوب عليه ، لم يبتلع البحر غزة ، نحن من بلعناه .
إلى هذه اللحظة وبتقديرات مراكز جيولوجية ، تقول إن التدمير في القطاع بلغ 70% ، وعن الحالة المزرية التي يعيشها مليوني وثلاثمئة مواطن فلسطيني ، ومحاولة الكيان الصهيوني بالضغط عليهم وترحيلهم من الشمال إلى الوسط ومن ثم الجنوب وبالعكس أي أن قطاع غزة بالكامل لم يعد آمن ؛ مع صمود أسطوري من المقاومة قل نظيره .
تتحدث دولة الاحتلال عن اليوم التالي وتعقيداته السياسية ، إذ لا توجد استراتيجية واضحة لهذا اليوم إلى الآن لتشكل معضلة برزت واضحة بين واشنطن والعدو الصهيوني ، يعني الوقت ليس في صالحهم مع توسع التهديدات والضغوطات يوما بعد يوم ، وهذا ما صرح به الرئيس الأمريكي جو بايدن بنفسه الذي يتحضر ويأمل بالفوز بولاية ثانية .
يمكن أن نأخذ تصريحات سموتريتش على نحو ارتجالي أي أنه يتحدث وفق منطق الوجوب الصهيوني ، وبذلك يؤكد الشرخ الذي يتسع يوما بعد يوم ويعكس الخلافات والاختلافات بالكابينت الصهيوني الذي بات أقل ثقة ببعض الشخصيات ، إذ كشفت القناة الـ12 الإسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منع رئيس الموساد ديفيد برنيع ورئيس الشاباك رونين بار من المشاركة في اجتماع أمني وصف بـ”الحساس”.
عن الحقوق الفلسطينية بحدها الأدنى ، اختفت تماما من الخطابات الصهيونية ، والعنوان العريض أو الهدف الكبير والنهائي التخلص من السلطة الفلسطينية التي تطالبها إسرائيل بالتنديد بهجمات السابع من اكتوبر تشرين الأول من السنة الماضية ، التنكيل والمداهمات مستمرة بشكل يومي بالضفة الغربية ، والخوف كل الخوف من تكرار سيناريو مشابه لـ ‘‘طوفان الأقصى’’ بالضفة الغربية .
«إسرائيل» تحارب على سبع جبهات ، كما قال نتنياهو ، وبالتالي فإن الكيان الصهيوني في حفرة أعماله يعترف بشكل غير مباشر على أنه لا يمكنه التعايش مع هذه الجبهات ، والمنطق يقول في حال نجح الكيان من الانتصار على هذه الجبهات السبع ، لن يكون انتصارا جذريا ً ، لأنه سيكون انتصار منطق القوة على منطق الحق ، والحق لا يهزم أبدا ً لأنها تعد جولة من جولات والعاقبة للمتقين وأصحاب الحقوق .
على سموتريتش مراجعة تصريحاته والتدقيق بأحقية من له البقاء ، لا سيما أن أغلب الشعب الفلسطيني في الداخل أو الخارج يحمل مفتاح البيت متمسكا بحتمية العودة الذي لم يسقط بالتقادم ، وأعتقد أن تأجيج الصراع الحالي هو خير للأمة العربية عموما وللفلسطينيين خصوصا ، وذلك بعد إماطة اللثام عن هذا الكيان الغاصب الذي لا شبيه له بالإجرام والإبادة . وأعتقد جازما أن الدول العربية التي طبعّت أو التي في طريقها للتطبيع ، أدركت حجم الخطأ الكارثي ، لأن مبدأ العلاقات بين الدول يتم وفق مقاييس واعتبارات أولها أخلاقية وأوسطها ثقة وآخرها احترام متبادل ، وأجزم أن الكيان الصهيوني لا يتفق مع هذه الشروط أو البيئة ..
إن مآلات الحرب الحالية ونتائجها ، تصب في صالح الفلسطينيين مهما كانت النتائج سواء فرضت «إسرائيل» سيطرتها على القطاع أو من دونه ، لأن النتيجة سواء ، في حال افترضنا أن الكيان الصهيوني احتل القطاع ماذا تكون النتيجة ؟ من المستبعد أن يضع نصف الجيش الإسرائيلي هناك لأنه سيكون عرضة للهجمات الشبه يومية مع غالبية أنصار المقاومة ، وجزء منه لا يكفي ، وبالتالي لا مفر من البحث في تسوية سياسية تتجرع فيها كأس السم .
علي المغربي الحُرّ منذ 11 شهر
في غياب أي دوْر “عربيّ” و “إسلاميّ” فعّال، في الضّغط على أمريكا و الكيان الصّهيوني،تجرَّأت إسرائيل على شَنّ هذه الحرب القذِرة على الشعب الفلسطينيّ في غزّة، يقوم العدوّ الإسرائيليّ بارتكاب أبْشَع الجرائم في حقّ الشعب الفلسطينيّ، القَتل و الجرْح بالآلاف للأطفال و النساء و العجَزة العُزَّل.. قَصفٌ بالطيران الحربيّ للمَباتي السكنيّة على رؤوس ساكِنيها، و تدمير للمدارس و المُستشفيات و المساجد و الكنائس و أماكن إيواء المواطنين الذين فقَدوا بيوتَهم جرّاء القصف الوحشيّ الإسرائيليّ. اِستهداف المَدنيّين في الشوارع و الأزقّة أثناء تَنقُّلِهم للبحث عن أماكن آمِنة. قتل الأطبّاء و طواقِم الإسعاف و الصّحافيّين.. إسرائيل تقوم بإبادةٍ جماعيَّة للشعب الفلسطينيّ أمام أنظار (المُجتمَع الدولي) الذي لا يُحرّك ساكناً من أجل إيقاف مَجازِر و مَذابح الكيان الإسرائيليّ المَدعوم من أمريكا التي تمُدُّه بأحدَث الأسلحة و تُشجِّعه على القتل الجماعيّ للشعب الفلسطينيِّ الأعزَل..
و من المُؤْسف و المُخزي، أنَّ (السلطات العربيّة)، عاجِزة على الضَّغط على أمريكا و إسرائيل من أجل وَقْف هذه الإبادة الجماعيّة لشعبٍ عربيٍّ مسلمٍ و ذلك بِقطع العلاقات مع أمريكا و إسرائيل و الامتناع عن تزويد أمريكا و الدول الغربيّة بالنّفط، و هذا من أضعَف الإيمان.. لقد استوْلت أمريكا عُقول (السلطات العربيّة)، فاتَّبَعت سياستَها تأتَمِر بأوامِرها و تنتهي بِنواهيها..