قوله تعالى:
“وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ التوبة”
الآية (74).
د. توفيق رفيق التونچي
قارئي الكريم ، هل الجحود حالة انسانية عامة ام ان هناك شعوبا اكثر لؤما وجحودا؟؟
الكرم مناقض للجحود كصفة بشرية ،لأنّ الجحود فيه نوع من البخل وعدم رد الجميل. انّ خير جليس ما يجمعنا نحن البشر هو ” الكتاب”. نعم الكتاب مصدر من مصادر المعرفة الإنسانية ،ومن طبيعة هذا الكتاب بخاصيته الحاتمية تيمنا بكنية كريم العرب حاتم الطائي متوفر في متناول الجميع. خاصة اذا كانوا (هؤلاء) من ابناء بلد الرافدين الذين اشتهروا بقراءتهم امهات الكتب التي كانت تطبع في مطابع بيروت ،والكثير من الادب العالمي الذي قام الأدباء اللبنانيين بترجمتها ناهيك عن كتب الادباء المصريين وطبعا كتب التراث والكتب الدينية لا ريبان وجود شارع وسوق خاص لاقتناء الكتب في وسط العاصمة بغداد وتقام فيها النشاطات الثقافية تعتبر فخرا للعراقيين. هذا الشارعالمسمى ب المتنبي تيمنا باسم الشاعر ابو الطيب المتنبي فصيح قوم العرب.
كنا نقرأ الكتاب ونعطيه لصديق وهو بدوره يعطيه لاخر ،وربما يختفي الكتاب من كثرة التداول او تراه يرقد في احدى الرفوف اذا تمت مصادرته من قبل رجال الامن الجهلة. اتذكر ان والدتي رحمها الله قد اشعلت تنور الخبز حيث جمعت بعضا من تلك الكتب الممنوعةلحرقها قبل ان يصادرها المخبرون وما اكثرهم في الدكتاتوريات اينما حكموا. هذه الصفة الحاتمية للكتاب والمعرفة قلما نجدها في “الأشياء” العينية وحتى في طبيعة وسلوك البشر. الأشياء تهدى ولكن العلم تهب مجانا لطالبه ودون اي مقابل وحتى شكر. فكم منا لميقرء كتابا وقدمه مجانا لأصدقائه وربما قام بسرد محتواها او نصحهم بقرأته.
لكن ربما وراء الهدية مقاصد اخرى والله اعلم ما في النفوس. ونحن نجوب شوارع مدن اوربا وخاصة في فترات الانتخابات البرلمانيةنجد اكشاكا ( مكان يجلس فيه العروس والعروسة) لكننا هنا نعني دكاكين خشبية على الاكثر وصغيرة ، لتلك الاحزاب يقدمون القهوةوالعصائر ويوزعون الشكرات) الملبس (والمنشورات على المارة من الناخبين كدعاية انتخابية ولجلب الاصوات لحزبهم واقناع الناخبوتعريفه على البرنامج الانتخابي ووعود لحزبهم. الهدف من ذلك بسيط كي يتحول الناس الى مطلوبين ( مديونين) ويحاولون اداء و ردتلك الخدمة واعادتها لاحقا على شكل اعطاء صوتهم و انتخاب ذلك الحزب. ومهما كانت تلك الهدية بسيطة الا انها تولد حالة نفسية عندالبشر لاعادة الخدمة باحسن منها ( رد الجميل) بعد ان يبدا في نفسهم عملية نمو شعورا بأنهم كأنهم اخذوا دينا ( الشعور بالذنب) بدونمقابل فيردونها على صاحبه اجلا ام عاجلا. طبعا هذا جزء من الدعاية الانتخابية وهي نفسها التي تستخدمها الشركات المنتجة للموادالغذائية والاستهلاكية حين يقدمون مجانا بضاعتهم للمستهلكين كنموذج.
وبدا استخدام نفس الاسلوب في عراق ما بعد ٢٠٠٣ من قبل السياسيين وما المضايف و (الهريسة و الدليمية)ايام العاشوراء والاعياد الا احدى تلك الظواهر. وهي رغم عدم وجود قيمة مادية كبيرةفي الخدمة المقدمة الا انها تؤثر بايجاب على راي الناخب. اما اذا كانت الهدية غالية ومبلغا كبيرا انذاك تسمى (رشوة) وهي دليل فساد ،وهذا ليس مبحثنا اليوم. المهم في الموضوع، قارئي الكريم هو الشعور الذي يولده تلك العملية في السلوك البشري دون وعي اي فيالوعي الباطني وما يسمى الشعور بالذنب لاعادة الدين ورد الجميل.
الجدير بالذكر ان (الصورة اعلاه) لتوم وجيري مخالفة للواقع الذي رأيناه في الصر اع بين توم و جيري منذ ان قام جوزيفباربيرا برسم وابتكار شخصيتي الرسوم المتحركة الشهيرتين القط توم والفار جيري ومع العبقري المنتج ويليام هانا الذي كان شريكا له. بدأ الرجلان تعاونهما في عام 1937 مع شركة ميترو غولدوين ماير الشهيرة للانتاح السينمائي.
لا يزال هذان العدوان والصديقان النقيضان معا لم يتمكنا من الجلوس حول طاولة و الحوار الهادئ والعيش المشترك والاستثناء الوحيد كما على ما يبدو هو هذه الصورة حين نراهما وهما يقرءان معا لكتاب. هذا الصراع الذي دام قرابة القرن من الزمانبين القط توم والفأر جيري، في محاولة القط بالإمساك بالفار وطبعا من اجل التهامه كوليمة غذاء او عشاء شهية وليأكله وبذلك ينهي وجوده المادي لكن جيري ( الشيطان) يهرب دائماً ويراوغه ويقوم باستفزازه بحركات نسميها نحن البشر بالشيطانية ويقع توم دائماً فيمآزق بعد اخر ليربح الفار جيري في نهاية المطاف و دوما ويحافظ على حياته. الجميل سوف لا يموت اي واحد منهم حتى بعد الف عام وعام اي هما خالدان ابد الدهر ويستمرون في شقاوتهم. ولم نرَ الدماء تسيل من جيري ابدا فهما في النهاية اصدقاء لا يفترقان. في وسعنا الادعاء بان احد الطرفين هو يمثل السلوك الشرير والاخر هو الطيب رغم المراوغة.
لكن جميع مغامراتهم المشتركة تبين شقاوة جيري وعنف توم الغاضب طبعا وهكذا هي في عالم السياسة من تناقضات قد تصل الى درجة تعاون العدوين التقليدين حين تلتقي مصالحهما المشتركة جريا على هدي المقولة) عدو عدوي، صديقي( والتي تطبق دوما في الأعراف الدبلوماسية اي سياسة الكيل بمكيالين. طبعا، كما بينت سابقا ان الفائدة من التعاون المشترك تقع في النهاية على الطرفين.
اماالكتاب المشترك بينهم فهو المعرفة المجانية وقد يسدون النصيحة للاخرين بقراءة ذلك الكتاب وتلك نصيحة مجانية نستخدمها دوما ونابعةمن خاصية المجانية للمعرفة. كم منا لم يقرأ كتابا جيدا وأسدى نصيحة مجانية لصديقه ومعارفة لقراءة ذلك الكتاب.
الوفاء ليس من طباع جميع البشر ومن احسنت اليهم ربما ستراهم يوما اعدائك والحكايات كثيرة حول جحود البشر.د وانكار الجميل. العراقيون كغيرهم من الشعوب قد ابتلوا بهذه الظاهرة ومن العجب ان تلتقي في دول المنافي العديد من الروايات التي لا يقبلها العقل السوي من جحود الاقرباء قبل الاصدقاء.
لقد مر على العراق ضروف صعبة ابان ايام الحصار الذي دام ١٣ عاما تحمل فيه الشعبالعراقي الظيم وراء مغامرات حاكم متهور غير مسؤول مصاب بجنون العظمة وبعث امبراطورية الاجداد برسالة خالدة . الذي حصل ان العديد من للعراقيين من هم في المنافي والمهجرين وخاصة في الغرب ساعدوا من ابتلوا في داخل الوطن ماديا ومعنويا جراء التزام اخلاقي ومساعدة الضعيف والمحتاج لكن وما عاد الامن والامان وتخلص الناس من الضيم وقصر اليد والحاجة بعد احتلال العراق وزوال الدكتاتورية ، الا وتراهم جاحدون على من ساعدهم مما دعى الناس يقولون:
حسبي الله ونعم الوكيل.
طبعا التعميم خطا فادح ولا يشمل هذا التوجه الجميع. لا بد انه هناك سبب نفسي عند الضعيف في كراهيته لليد التي مد اليه في وقت الضيق. المهم الرابط الوحيد بين ما يفعله توم بجيري هو السلوك العدائي الذي لا ريب له عند البشر تفسير له وربما عند الحيوان يدخل ضمن الغرائز والله اعلم او الحاجة الى الاكل حين يجوع الحيوان فيلتهم من حوله ونادرا ما تكون الفريسة من بني جلدته. العديدون ممن يفترشون اليوم ارضا غير ارض وطنهم من المنفيين واللاجئين يعانون من تلك السلوكيات من قبل من ساعدوهم في وقت الضيق وهي اي سلوك انكار النعمة جحود حقيقي و بشع مرتبط بحالة اللؤم دون الكرم. قائلين مرددين:
” اتقي شر من أحسنت اليهم ” لكننا دوما حين نطالب برد حقوقنا العادلة نلتقي الرفض والجحود بحقنا.
ليس فقط ها هنا الحقوق المادية اي قرض المال وحتى الحقوق الطبيعية الاخرى كما في الوفاء للعهد ورد الامانة والقول الطيب وعدم الإهمال وامور اخرى كثيرة ولصدق القائل “اتقي شر من أحسنت إليهم”. الجاحد بالمعروف ها هنا يزعل كي يشعرك بالذنب اي انت هو المذنب لانك طلبت حق وخاصة اذا كان دينا ماديا اي اعادة القرض.
الزعل اداة استخدمه الجميع وبمهارة لانه وببساطة زعلان) الافندي( ولا يتحدث معك ولا يرد على رسائلك ومهاتفتك وبذلك يتهرب مندفع المال الذي قرضه وربما يقول في قريرته بانّه سيأتي عليه الزمن وينسى الدائن دينه او يرحل الى دار الحق وينتهي المطالبة وينطفئ الدين ويؤجل الى يوم الدين.
و”حسبي الله ونعم الوكيل”.
الاندلس
٢٠٢٤
جبارعبدالزهرة /كاتب من العراق منذ 8 أشهر
لكل عصر ناسه ولكل ارض دولة ورجال وقد تبقى عادات او تتغير وتحل محلها عادات استجدت بسبب التطور والتقدم والله سبحانه وتعالى يداول الايام بين الناس يذهب قوما وياتي بقوم آخرين ويضع تيجان ملوك ويرفعها فوق رؤس نفر اخرين