تعامل الحكومات مع المعارضين

جبار عبدالزهرة

– كاتب من العراق 

النجف

كانت وما زالت الطبيعة البشرية  تميل الى المعارضة على مستوى القول والفعل الأنساني بمختلف اشكالها ومنها عدم الرضا والشجب والاستنكار وقد عبرالإمام علي عليه السلام عن صفة المعارضة الكامنة في اعماق الإنسان والتي هي متجذرة في العمق السايكولوجي لكل مخلوق وليس للإنسان فقط  فقال (ع) :-  ( رضا الناس غاية لا تدرك ) فعلى سبيل التمثيل لطبيعة المعارضة عند غيرالإنسان :- فلو أنّ إنسانا مسك قطة وحملها بيده وهي غير راضية لخدشت يهده بمخالبها في محاولة منها لتحرير نفسها من قبضته0

وعليه فإنَّ صفة المعارض تلد مع الإنسان شأنها شأن كل الطباع والأمزجة التي ترافق الإنسان منذ ولادته حتى مماته 0 

وهناك نوعان من التعامل مع المعارضين على المستوى السياسي يتبناهما الحاكم هذه الأيام، وكلاهما لا رحمة فيه ولا شفقة وينطوي على اساليب قاسية فيهما للمعارض للنظام السياسي يضرب من خلالهما الحاكم او النظام الحاكم الحقوق الإنسانية للمعارض بشكل فيه كثير من التعسف والشدة وذلك لأنه حكم دكتاتوري لا يستسيغ الأعتراف باسلوب الحوار والنقاش واقناع الطرف الآخر بالوصول معه الى تسوية سلمية ترضي الطرفين لذلك فان اغلب الأنظمة في العالم تميل الى التفرد بالسلطة حتى الوصول الكامل للدكتاتورية التي ترفض الآخر ورايه وموقفه وملاحظته وبذلك تكون الدكتاتورية انهزامية امام الطرق والأساليب السلمية في التعامل مع المعارضة فتميل الى التصفية الجسدية او الحبس لمعارضيها من اجل اسكات اصواتهم والتخلص من حراكهم بين اوساط المجتمع 0

اعود الى اساليب الإجحاف والظلم بحق المعارضة التي تستخدمهما الحكومات الدكتاتورية وهما في رايي اسلوبان :-

أولا:- الأسلوب الساخن (القتل) :- وهو ان يتخلص الحاكم من خصومه السياسيين من طريق التصفية الجسدية وذلك على ضربين :-

1- اسلوب القتل البطيء :- وهو ان يقوم الحاكم بحبس خصمه السياسي باسلوب قاس وبطيء فيتركه في السجن حتى يموت فيه ويمنعه من حقوقه في الحصول على الدواء او السماح لذويه بزيارته ومن الأمثلة على ذلك قيام الرئيس الروسي فلاديميربوتين بحبس معارضه السياسي الكسي نافالني حتى مات في سجنه فضلا عن رفض الحكومة الروسية بعدم تسليم جثته الى ذويه كما صرحت بذلك زوجته ووالدته إلاّ بعد مناشدات وضغوط خارجية وداخلية تم تسليم الجثة الى والدته 0

وايضا فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قام بحبس الرئيس محمد مرسي الذي عده الراي العام في الخارج وكذلك نسبة كبيرة من الرأي العام في داخل مصر على انه رئيس منتخب بشكل جماهيري وديمقراطي سليم وبقي في سجنه وقد اتهمت عائلته وهو في سجنه اتهمت حكومة السيسي بعدم توفيرالعلاج اللازم له لأنه يعاني من ازمة قلبية وقد مات في سجنه قبل جلسة محاكمة كان من المقرر ان يتم عقدها ضمن اطارالتهمة التي تم اسنادها له بالتخابر مع جهات خارجية 0

2- اسلوب القتل السريع :- وهي تدبيرعملية إغتيال من قبل الحاكم لمن يعارضه بشكل خلف الكواليس يبعد التهمة عنه في ان الحاكم هو من دبرها لتصفيته ومن الأمثلة على ذلك قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تدبير عملية اغتيال لرئيس وقائد مجموعات فاغنر يفغيني بريغوجين باسقاط طائرته مع مجموعة من مساعديه من طريق زرع مفخخة فيها 0

وكذلك ما قام به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تصفية المعارضين له والمعتصمين في ميدان رابعة العدوية باطلاق النارعليهم عبر مجزرة رهيبة راح ضحيتها اكثر من (1000) مواطن مصري 0

3- الآسلوب البارد أو التعامل البارد :- وهو ان يتوجه الحاكم نحو معارضيه بتلفيق تهم لهم تفضي بهم الى الحبس إذا كانوا داخل البلاد كما يفعل الرئيس التونسي قيس سعيد  مع المعارضة في الداخل او يقوم بإحالة قضايا التهم ضدهم الى المحاكم ويحاكمون غيابيا كما يفعل الرئيس سعيد نفسه مع الرئيس السابق لتونس المنصف المرزوقي وكان اول رئيس انتخب لتونس بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي 0

ومن الملاحظ ان اكثر الأنظمة السياسية في التعامل الشديد مع معارضيها وتضييق الخناق عليهم هي الأنظمة الأشتراكية والانظمة الملكية فالنظام الإشتراكي يميل الى نظام حكم الحزب الواحد لأنه لا يستطيع ان ينشر افكاره ومنطلقاته النظرية التي تمثل شعاره الستراتيجي في نشر مفردات خطه الفكري وبرنامجه السياسي والثقافي للوصول للسلطة او الإحتفاط  بها بشكل دكتاتوري إلاّ من طريق تصفية خصومه السياسيين واغلاق كافة الطرق والوسائل بوجههم لمنعهم من الترويج لأفكارهم ومنافسته في كسب القاعدة الجماهيرية 0

لذلك عمد الحزب الشيوعي السوفيتي أو(الثوريون البلاشفة) في باكورة ايامه في استلام السلطة في روسيا الى قتل القيصر مع جيع افراد اسرته وهو القيصر نيكولاي الثاني وزوجته ألكسندرا، وبناته الأربعة – الدوقات الكبريات أناستازيا وماريا وأولغا وتاتيانا – وابنه زارفيتش أليكسي، وأربعة من موظفي الأسرة، في منزل ناء بمدينة يكاتيرينبورغ في عام 1918 لأنهم يمثلون في بقائهم احياء دليلا على نشاط فكري سياسي يهدد حكمهم ونشاطهم المعرفي واسلوبهم في حكم البلاد وفرض وبسط سلطتهم على عموم مساحة البلاد وسياستها وإدارتها 0

أمّا الحكم الملكي لآنه حكم وراثي تنتقل السلط فيه من الملك الى ولي العهد الذي قد يكون إمّا ان يكون ابن الملك السابق مثل ملك الاردن عبدالله الثاني بن الملك الراحل الحسين بطلال او شقيقه او احد اقاربه كما في سلطنة عمان حيث تولى منصب السطان في عمان ( هيثم ) ابن عم السلطان السابق قابوس الذي يقال عنه انه قتل اباه واخذ السلطة منه ويبدو ان الله عاقبه فلم يرزفقه بولد يرثه لذلك انتقلت سلطة السلطنة الى ابن عمه 0

واكثر الأنظمة الملكية العربية قسوة وغلظة مع معارضيها في الداخل والخارج هو النظام السعودي فلا يتعامل مع معارضيه إلاّ بتصفيتهم الجسدية واشهر مثال حديث على ذلك مقتل الصحفي عدنان خاشقجي عندما دخل الى قنصلية بلاده في تركيا ولم يخرج منها ساعة كتابة هذه المقالة ومصيره غير المعروف والذي يلفه الغموض الى اليوم اقوى دليل على بشاعة الاسلوب الذي يواجه فيه النظام القمعي السعودي معارضيه في اغتيال حرية التعبير وتكبيل اصوات المعارضين بحد السيف 0

ولا يفوتني هنا ان اعرّج على مافعله حزب البعث الذي حكم العراق بالحديد والنار من العام 1968م وقا بتصفية الكثير من يا\ات وكوادر اهم حزبين معارضين له وهم حزب الدعوة والحزب الشيوعي العراق حتى افرغ الساحة السياسية من أي منافس اومعارض له على حكم العراق واحكم قبضته على السلطة ولم تتمكن المعارضة العراقية له من ازاحته من على راس السلطة إلاّ بعد ان قام تحالف دولي بقيادة امريكا من اسقاطه في العام 2003 م