حاتم خاني
د. عبدالعزيز رشيد
لا شك ان الازمة الاقتصادية التي طغت على كوردستان وما يرافقها من ركود اقتصادي وبطالة تزداد يوما بعد يوم , لم تنتج من الفراغ ولم تتولد لان شعبنا يحاول التعلق بالاستقلال الجزئي الذي يتمتع به الان , وانما جاءت نتيجة للسياسات الاقتصادية التي تبنتها وزارة المالية والاقتصاد ووزارة الثروات الطبيعية وبقية الوزارات ذات العلاقة والتي تتبنى صيغ لا علاقة لها بالواقع الكوردستاني وبوضع كوردستان وجغرافيته وكونه لازال جزءا من الدولة العراقية وليس كيانا مستقلا له حرية التصرف والتعامل الاحادي مع الدول الاقليمية بالذات ومع دول العالم الاخرى , وعلى هذه الوزارات توخي الحذر عند اتخاذ قرارات بعيدة عن واقعنا لئلا توقع الاقليم في مخالفات دستورية ومطبات قانونية يسعى الاقليم لتفاديها وخاصة بعد القرارات الاخيرة للمحكمة الاتحادية
في البدء لابد من الغاء فكرة اننا يمكن ان نكون مثل دول الخليج العربي , فلا الموقع الجغرافي يساعدنا ان نكون مثلهم ولا الوضع السياسي يمكن ان يسمح لنا ان نتشبه بهم , ومن بين الفروقات الكبيرة جدا بيننا وبين اضعف دولة خليجية والتي نستمع اليها في الاعلام ونراها بصورة يومية رغم انفنا , ان تركيا تتمنى تطوير العلاقات بينها وبين تلك الدول ( وقد تتوسل في سبيل ذلك ) , بينما هي تضربنا بصورة يومية بالمدافع والطائرات وتتمنى ازالتنا من الوجود تماما ولا تطيق سماع كلمة ( كوردستان ) , لذا لابد ان ننظر الى الامور بعين واقعية ونتصرف حسب الواقع المرير الذي يحيط باقليمنا وشعبنا . وعلى مسؤولينا ان يطرحوا من حساباتهم فكرة امارة كوردستان , وان لا يتصوروا على المدى القريب او البعيد بان هذه الفكرة قد تتحقق للاسباب التالية
1 – ان الاقليم غير مستقل تماما كما هو حال الدول الخليجية فكوردستان الاقليم لازال جزء من العراق , ولن يتنازل العراق بسهولة عن , ويبدو ان مسؤولينا انفسهم قد اقتنعوا في الفترة الاخيرة ان الارتباط بالعراق افضل من الابتعاد عنه لما يشكله العراق من مصدر دخل وخزينة يمكن الحصول منها على الاموال اللازمة لديمومة حكومة الاقليم وكذلك لسهولة استمرارهم بالحكم دون منازع .
2 – نلاحظ ان احزابنا لا تتفق على الامور البسيطة فيما بينها وهي على خلاف دائمي وتثور على بعضها البعض لاتفه الامور فكيف يمكن ان يوافقوا على امارة يقودها الحزب المنافس . الا اذا كان كل حزب يسعى لتكوين امارة خاصة به
3 – شعب كوردستان وبعد كل هذه الالام وهذه الانتكاسات وكل هذه التضحيات الجسام لن يقتنع ان يقع تحت حكم امراء يحاولون تقليد امراء الخليج باتجاه واحد فقط كما يبدو وكما نرى ان الامور تتجه الى هذا النحو , فبينما نرى ان مواطني دول الخليج هم سادة البلد , في حين ان المواطنين في الاقليم يدعون ليلا ونهارا لاحداث تغيير في الازمة الاقتصادية التي تمر على بلدهم .
4 – الموقع الجغرافي المغلق للاقليم يصعّب الكثير من الاهداف التي نطمح الوصول اليها وقد يكون احد الاسباب التي تتيح لاعداءنا التحكم بمقدراتنا واقصادياتنا عكس الدول الخليجية المنفتحة على البحار
5 – لا يمكن ان نتصور ان اعداء الكورد المحيطين به على استعداد لتقبل هذا الامر. وخاصة اذا اقتنعوا ان هذا الامر قد تكون له اثار على كورد تلك الدول .
فلابد اذن ان ننظر الى وضعنا وواقعنا بطريقة نتفهم فيها ان استمرار الواقع المرير الحالي لن يدوم الى الابد
لذا نتمنى ونقترح ان تقوم الحكومة بمراجعة السياسة الاقتصادية المتبعة والتي تزيد الطين بلة وتسبب تراكم المشاكل المالية لافراد الشعب , كما نتمنى ان ينزل المسؤولين من عليائهم ويدنوا بنظرهم الى المستويات الدنيا التي يعيشها المواطنون لكي يقتنعوا بالمأساة التي تحيق بمواطني الاقليم ,واولى الخطوات الاصلاحية في هذا المجال والتي نراها ضرورية هو سحب ايدي الشركات الخاصة التي باتت تسيطر على كافة مرافق الاقتصاد الكوردستاني والتي تسبب هدرا هائلا للاموال ونقصا كبيرا في ميزانية الحكومة وتناقضا واضحا بين واقعنا كأقليم يتبع دولة اخرى وبين المسار الاقتصادي المخصص للدول المستقلة المتعافية والتي يكون قد مر على تكونها مئات السنين .
وعلى الرغم ان هذه الشركات قد تتبع مسؤولين كبار ولا يمكن التفريط بها بسهولة , لكن على هؤلاء المسؤولين الاقتناع ان الامور بدأت تسوء في كوردستان واحد الاسباب الرئيسية لهذا الانهيار الاقتصادي هو تخلي حكومة الاقليم عن المؤسسات الحكومية الخدمية واستحداث الشركات الخاصة التي اختصت بزيادة الضرائب دون تقديم نفس الخدمات الموازية , من جانب اخر اصبح الاهمال المتعمد للمؤسسات الحكومية ظاهرة تزداد عمقا وذلك لثني المواطنين واجبارهم على مراجعة الشركات الخاصة التي تقدم تلك الخدمات التي كانت تقدمها المؤسسات الحكومية , كما ان هذه الشركات الخاصة تستغل امكانات المؤسسات الحكومية وادواتها وموادها الاولية لصالحها على مرآى ومسمع الاجهزة الحكومية التي اصبحت مشلولة امام قوة هذه الشركات وعدم القدرة على محاسبتها حتى امام القوانين المحلية , واصبح المواطن في خدمة هذه الشركات بدلا من ان تكون هي في خدمة المواطنين وذهبت معظم الشركات لتحقيق مصالحها المالية حتى لو كانت على حساب المصلحة الوطنية .
وكمثال سيء لانتشار هذه الشركات تلك التي تقوم ببيع الشقق للاجانب دون الالتفات الى ما تحمله هذه الخطوة من التغيير الديموغرافي حيث بعملها هذا قد احدثت فجوة كبيرة بين الاهداف التي حلم بتحقيقها الشعب الكوردي وبين ما يحصل الان من تهديد للهوية السكانية لمدن الاقليم وذلك تقليدا لما متبع في دول الخليج العربي التي تستثمر في هذا المجال , دون ان تدرك هذه الشركات خصوصية الاقليم واختلافه من حيث الجوهر عن تلك الدول الخليجية التي تحتفظ بدستور خاص بها يقف في مواجهة تغيير الهوية الوطنية لها بينما لا يمتلك الاقليم دستورا يحافظ على هويته القومية لانه جزء من دولة اخرى دستورها يقف حجر عثرة امام الحفاظ على الهوية القومية للاقليم , فدول الخليج تمتلك الحق في طرد اي فئة تهدد خصوصية دولها لان تلك الفئات لا تملك جنسية تلك الدولة الخليجية بينما ليس للاقليم ذلك الحق تجاه الفئات القادمة من بقية اجزاء العراق حيث يمتلك المواطنون القادمون نفس الجنسية التي يملكها مواطن الاقليم , كما ليس من حق الفئات العاملة في دول الخليج ان تفرض على تلك الدول هويتها الخاصة بينما على العكس من ذلك في الاقليم حيث لتلك الفئات مدارسها الخاصة وحياتها الخاصة ولغتها الخاصة التي بدأت تطغى على الخصوصيات المحلية وتدفعها باتجاه التغيير نحو خصوصياتها هي وإن هي الا سنوات قليلة حتى ترى الفئة الغالبة هي الفئة القادمة التي لا تندمج في المجتمع الكوردي وانما تكوّن لها مجتمعها الخاص بها لاسيما ان التعليمات الصادرة من حكومة الاقليم تسمح لها بذلك .
كذلك معروف عن المواطنين الكورد سرعة انصهارهم في بوتقة الفئات الاخرى باعتبار ان الغلبة العددية واللغوية والمادية لها وهي نقطة تحسب لصالح الفئات القادمة الى الاقليم .
وهكذا نرى ان الشركات الخاصة بدأت تؤثر على المجتمع الكوردي ليس اقتصاديا فحسب بل انها ستؤدي حتما الى زوال الاقليم بصورة خفية لا يدركها حتى مالكوها الذين لا يهمهم الاقليم اساسا بقدر ما يهمهم جمع المال حتى لو كان على حساب جثة كوردستان .
لذا نعتقد بانه لا يمكن الاستمرار على هذا النحو حيث يمكن ان تفقد هذه الشركات مكانتها اضطرارا اذا استمر الوضع على هذا المنوال. وكمثال على هذا الهدر في الاموال , احدى الشركات المشرفة على تفتيش البضائع وفرض الضرائب على مستوردي تلك البضائع تتحصل على الملايين من الدنانير بشكل يومي ولا تعطي للحكومة الا 30% من الواردات المستحصلة من تلك الضرائب ( الرقم غير رسمي ) . علما ان هذه الواردات تشكل نسبة كبيرة جدا من واردات الاقليم ويمكن ان تحل اكبر نسبة من الرواتب كما كان الحال قبل عام 2003
في حين ان النظام السابق المتبع في الاقليم ولا زال متبعا في العراق هو الحصول على 100% من تلك الواردات . لذا لابد من استعادة الهدر بالاموال التي تذهب معظمها الى خزائن هذه الشركات
ان السياسة الاقتصادية الحالية وهي السوق الحرة بشكل كامل في هذه البقعة من المنطقة لن تؤدي الى ازدهار الاقليم كما صور لمسؤولينا , وانما ستسبب اغراق المجتمع بمشاكل شتى مثل المخدرات والقمار
والجرائم بانواعها العديدة , بالاضافة الى المشاكل الاجتماعية الاخرى وذلك لغياب العدالة وانتشار
الفساد الاداري والمالي وغياب التطبيق الفعلي للقوانين التي تنظم العلاقات الاجتماعية وحلول المحسوبية والواسطات محلها والاعتماد على ما تفرضه العلاقات الحزبية بدلا من اختيار الكفاءات والقدرات الشخصية او اتباع القوانين النافذة في حل القضايا
وحبذا لو قامت هذه الشركات الخاصة بالبحث لها عن ساحة عمل اخرى في بقاع اخرى من العراق لكي نتخلص من شرورها .
جامعة بوليتكنيك – دهوك
عذراً التعليقات مغلقة