صلاح المختار
مَن يظن انّ اخطر ما في خطة اجتثاث البعث، وهي خطة وضعتها المخابرات الأمريكية قبل غزو العراق للقضاء على حزب البعث العربي الاشتراكي، هو اسلوب قتل واضطهاد البعثيين واهم، رغم ان تلك الوسيلة ادت الى استشهاد اكثر من 180 الف بعثي .الاخطر من القتل والابادة للبعثيين هو اختراق الحزب بتجنيد قادة أو كوادر فيه وترك هؤلاء يعملون لتخريب الحزب من داخله بمختلف الطرق ، وهذا الاسلوب يشبه زرع خلية سرطانية داخل الجسد فيصبح حاضنة لها وهناك تنمو كأنها جزء منه فتتوفر بيئة صالحة لاتقاوم في البداية الى ان تغزو الخلايا المسرطنة كل الجسد حيث لا علاج ينفع والموت حتمي! وما يجب لفت النظر اليه بشدة هو ان الخلية السرطانية الواحدة لم تنقسم وتتضاعف وتحتل كل الجسد الا بفضل الوقت واطالته، فعامل الوقتفي انتشار السرطان اكثر خطورة من الخلية السرطانية ذاتها التي يمكن قتلها وهي صغيرة!
وفي الحزب وعندما تحدث خطوة تدميرية مثل الانشقاق، كجزء من الاجتثاث، وتتصاعد الضغوط لإنهائه وتوحيده ،يبرز الحوار بصفته الوسيلة الاساسية للتوحيد ، وبما ان من خطط لانهاء البعث اتبع اسلوب التدمير الذاتي للحزب فان بالامكان تحويل الحلول المقترحة لانقاذه الى وسيلة قتل له! وهنا نرى خباثة وسائل التخريب التي تعتمدها المخابرات عندما تحول الحوار الرفاقي حول كيفية أعادة توحيد الحزب الى وسيلة لقتله بجعله مفرخة انشقاقات متتابعة، تتعمق مع اطالة زمن الحوار! وهكذا نرى ان الاداة التي تنحر الحزب من الوريد الى الوريد ليس السكين، لانها تستبعد من الحوار ، بل الوقت فكلما طال وقت الحوار وتبدلت الحلول وعاد الرفاق الى نقطة البداية فان النتيجة هي نحر الحزب! فكيف يتم ذلك ؟
أن اطالة زمن الفتنة هو الشرط الاساس لانتشار عناصر التخريب كافة وفي مقدمتها الشك بين رفاق لايمكنهم النضال معا الا بتوافر الثقة! فالحوار ورغم انه وسيلة بناء الا انه يتحول الى اداة قتل فعالة عندما يطول بلا نهاية لاتاحة الفرص لتدمير واقتلاع الروح الرفاقية تدريجيا، وعندما تتم تلك الخطوة يكون الحزب قد فقد لحمته، ولهذا فان اول مؤشرات تنفيذ اجتثاث البعث من داخله هي الوقوع في فخ تكتيك سرقة الوقت بقيام طرف في الازمة بتقديم الوعود واظهار رغبته بالوحدة ولكنه هو من يجهضها عمدا حالما يتم التوصل الى اتفاق تام بعد حوار استمر لسنوات!
والحوار تبرز قيمته ودوره فقط في اطار الزمن الذي يجري فيه ،فقد يكون وسيلة توحيد وحل المشاكل عندما يحسم الامر بسرعة بالوصول الى حل وتطبيقه، مثلما قد يتحول الى وسيلة تعميق الانشقاقات إذا لم نحدد للحوار سقفا زمنيا صارما وهدفا واضحا لايتغير بين فترة واخرى، لان الوقت المفتوح هو الغذاء الذي تعتاش عليه خلايا السرطان فتنتشر ويصبح القضاء عليها مستحيلا !
ومن يعتمد اطالة زمن الحوار يريد دفع الحزب الى مستنقع نتن يغلق باب الامل بعد زرعه وتكرار هذه العملية ، وهو واجب المجند مخابراتيا المنفذ عبر اطالة الازمة فيصنع الامل بطرح مواقف توحيدية والاعلان عن العزم على تحقيقها وعندما ترتفع الامال يقوم نفس من وعد واعلن بالتراجع عما وعد به، وهذا يؤدي دون شك ليس الى قتل الامل فقط بل يزرع شكوك اعمق تولد صراعات اخرى لاسباب اخرى جديدة!
انه الاجتثاث الناعم المتسلل تحت غطاء ايجابي هو الحوار الرفاقي المستبطن نوايا مسبقة بعدم الاتفاق! وهكذا نرى الحزب يتفسخ من داخله تدريجيا بعمل متعمد ، وبواسطة قيادات وعناصر جندت في أجهزة المخابرات، على الاغلب بعد غزو العراق،أو ان تلك العناصر وقعت تحت تأثير تلك الأجهزة دون معرفتها، لقلة وعيها،من خلال أفراد اذكياء يزودونه بالمعلومات والخطوات المطلوب تبنيها، ولكنها معلومات مضللة تفضي الى التخريب. وبتكامل خطوات الاجتثاث العنفي مع الاجتثاث الناعم ينتظر انهاء الحزب الى الابد! ورغم وضوح هذه الحقائق فان هناك من يتجاهلها ويصر على استبعاد الشكوك الامنية وهذا مقتل اخر دون ادنى شك! ومن يستبعد الاختراق الامني اما ساذج او متساذج، والثاني اخطر من الاول، ولهذا لامجال بعد ان طفح الكيل لتأجيل المصارحات مهما كانت مرة .
ومن بين ابرز اساليب الاجتثاث الناعم للبعث لعبة المتاهه Maze game فما هي لعبة المتاهة؟
طبقا لموسوعة ويكيبيديا ،هي (إحدى أنواع الألعاب التي تنشط العقل وتحتوي على عدة طرق منها السهلة والمعقدة يتطلب حلها إيجاد الطريق الصحيح للوصول لنهاية المتاهة).وفي معجم المعاني الجامع فان المَتاهة: ،تعقيد يضلّ الفكر، تَيَّهَهُ عَنْ عَمْدٍ: أَضَلَّهُ، تيه نفسه: :حَيَّرَها، أوْ أَهْلَكَها، التِّيهُ: المفازة لاعلامةَ فيها يُهتدى بها،سلسلة من الممرّات بعضها مغلق وبعضها مفتوح…الخ، وهذه احدى أشكال المتاهة:
وهذه المتاهة خاصه باللعبة العادية ولكن هناك أستخدام خطير لها من قبل اجهزة المخابرات الغربية خصوصا الامريكية والموساد الاسرائيلي، يحولها من لعبة اختبار الذكاء الى لعبة حياة او موت، حيث يدخل افراد في منطقة معقدة جدا بحيث يعجز الداخل فيها عن الوصول الى المخرج منها !مثلما لايستطيع العودة للمدخل الذي دخل منه ويبقى اسيرا لاوهام واماني انه سينجح في العثور على المخرج ولكنه في النهاية يموت داخل احد المسارات رغم ثقته انه سيصل الى المخرج!
لقد وضع الحزب عمدا وسط لعبة متاهة ، والمتاهة هي اشغالنا بحوارات عبثية تمتد لزمن مفتوح وتبدأ بصورة انها مبادرة طيبة، ولكن الالغام تبدأ بالتفجر عندما يتراجع من طرح حلا عن موافقته، فيعود الرفاق الجادين والمخلصين الى المربع الاول، وبتكرار هذه العملية ضمن زمن مفتوح عمدا نبدأ برؤية من يمسك بالريموت كونترول وهو يتعمد اغلاق المخرج عندما ينجح البعض في العثور عليه ، وهكذا يبدأ الشك بالتسلل لنفوس الرفاق الذين كان جامعهم الثقة المطلقة ،فكل واحد يبدأ بالتساؤل المقلق : لم يغير بعض الرفاق موقفهم كلما وصلنا للاتفاق فيعيدوننا الى المربع الاول لنبدأ من جديد محاولة اخرى ،والوقت يمضي وفيه نخسر طاقاتنا ؟ لم نجد اننا اسرى مسارات كلها مغلقة عمدا ؟! ندرك ولكن بعد فوات الاوان اننا اسرى ابليس وانه هو من وضعنا في المتاهة، وانه لا يريد خروجنا منها !
وفي اللحظه التي نقتنع باننا اسرى لعبة ابليس فان الانقاذ يصبح بعيدا، وتنتصر العداوة على الروح الرفاقية، وتمحى المشاعر الانسانية وينكل كل منا بالاخر بلارحمة وكأننا لم نكن في يوم ما رفاقا واكلنا الزاد والملح معا ودخلنا السجون وتحملنا التعذيب من اجل الامة والحزب معا !!! وهكذا وبغياب الروح الرفاقية نرى بعد فوات الوقت نهاية اللعبة هي تدمير الحزب عبر وضعه في منطقة قتل (Killing zone ) تحيّد الرفاق واحدا بعد الاخر فيتساقطون وهم يرقدون على المخرج المغلق باحكام ؟!
ومن الأدلة على قوة المتاهه التدميرية هو ان عددا كبيرا من الرفاق وقفوا بعيدا يتفرجون على المتاهه يرفضون الدخول فيها وهذا بالطبع افضل ولكنه ليس دور البعثي الطليعي الذي أعد ليكون قائدا في موقعه عندما تنقطع صلته بالقيادة ،فالبعثي لا يقف على التل يتفرج بل ينزل الى الميدان دائما باجتهاده إن لم يكن لديه توجيه ،وهذا ما يميز البعثي عن غيره من الأفراد العاديين والا لماذا أطلقنا عليه وصف الطليعي؟
ان الحوار يجب حصره بأطار واضح وصارم :
1-ان يوضع سقف زمني ثابت لايتغير للحوار لمنع تحويله الى متاهة قاتلة .
2-توثيق الحوارات كتابيا او تسجيلها وحفظها في محاضر واضحة وشاملة لكل مراحلها، لمنع طرح مواقف سبق رفضها وتحديد من يتلاعب .
3-تحديد اهداف كل جلسة واكمالها دون الانتقال الى مواضيع اخرى تدس عمدا.
4-التحديد الصارم لمن خرق النظام الداخلي وتسبب في الانشقاقات ووضعه في الزاوية لاجباره على التراجع وكل ذلك يجب ان يتم قبل اي حوار معه لانه ان دخل الحوار وهو أثم ويديه ملطختان بدم الحزب لن يكون الا عنصر تخريب متعمد للحوار.
5- ان من يظن انه يملك الشرعية الحزبية وحده هو الاكثر قتلا للحوار ولذلك فان نقطة البداية الصحيحة لاي حوار رفاقي هي الاتفاق على تجاوز هذه الجرثومة الخبيثة، والا فان الشرعية الحزبية كما استخدمت زيفا كاداة لشق الحزب فانها ستكون مقتله !
6- الحوار يشمل كل الرفاق بشرط عدم خروجه على عقيدة الحزب وستراتيجيته القومية وتاريخه النضالي وقيمه الاخلاقية، وهذا سبق واعلناه منذ انبثقت التنسيقية القطرية في عام 2021 وكررناه مع انتخاب القيادة القطرية في عام 2023 .
لن نسمح بعد الان الا بعمل واحد: الاتفاق السريع على توحيد الحزب لان اسباب الانشقاقات واضحة ولاتحتاج لزمن طويل لمعرفتها،والحل كذلك واضح ولا يحتاح الا لاتفاق مفعم بالنوايا الصادقة والحرص على الحزب والامة .
11-3-2024
عذراً التعليقات مغلقة