رزمة واحدة من القرارات والقوانين
سمير عادل
بغض النظر، الاتفاق حول حقوق المثليين من عدمه، فأن إقرار قانون “تجريم المثليين” في البرلمان العراقي تحت اسم قانون “مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي”، يحمل الكثير من الدلالات، ويخفي أجندة رعب، عنوانها عراق جديد بنظام استبدادي و قروسطي.
لذا علينا النظر الى قانون “تجريم المثليين” ضمن رزمة متكاملة شرعت بها الطبقة الإسلامية ومليشياتها الحاكمة منذ العام المنصرم، كجزء من مساعي حثيثة تبذلها الأحزاب والقوى الإسلامية لإعادة تموضعها وترسيخ سلطتها، بعد الضربة التي وجهتها لها انتفاضة أكتوبر من جهة، وفي نفس الوقت رفع الاستعدادات السياسية والاقتصادية بتحويل العراق الى مزرعة للعبيد كي تسهل وصول الاستثمارات دون وجود من يعكر صفو حركة رأس المال في السوق العراقية، كما سنبين لاحقا.
لقد قامت السلطة المليشياتية بتشريع هذه الرزمة، منذ العام المنصرم إذ أصدرت عدد من القرارات والقوانين ومشاريع القوانين؛ منها اعتقال أي شخص بتهمة ترويج أو نشر فيديوهات ما يسمى بـ “المحتوى الهابط”، واعتماد بورصة الطبقة الحاكمة تجاه معارضيها ومخالفيها السياسيين كمعيار يحدد هبوط هذا المحتوى أو صعوده، كذلك طرح مسودة قانون الحريات النقابية في البرلمان التي تفوض الحكومة التدخل بشؤون العمال وفرض نقابات صفراء موالية لها ولسياستها الاقتصادية التي تمثل سياسات المؤسسات الرأسمالية العالمية، وأيضاً طرح مشروع قانون حرية التعبير لمصادرة حق التعبير كحق من حقوق الإنسان. وأخيرا وليس آخرا، جاء قانون “تجريم المثلية” أو ما سمي “قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي”، ويخول القانون المذكور الحكم على أي شخص بالسجن مدة تصل الى خمسة عشر عاماً بتهمة المثلية، والأغرب في القانون هناك بند يسمى “تبادل الزوجات” يمكن بموجبه توجيه تهمة الى أي رجل وامرأة متزوجين عند زيارة أصدقاء وأقرباء لهما متزوجين أيضا واتهامهم دون دليل بـ “تبادل الزوجات”. ولابد من التنويه هنا، إلى أنَّ البرلمان العراقي وبخلاف كل برلمانات العالم، وبغض النظر عن شرعيته من عدم شرعيته، فهو يشرع غالبية القوانين، وترسلها الى مجلس القضاء الأعلى أو رئاسة الجمهورية من أجل المصادقة عليها للإلزام الحكومة بتنفيذها، في حين نرى أنَّ المعتاد في الديمقراطيات العريقة أو حتى الحديثة، هو قيام الحكومة بإرسال مشاريع القوانين الى البرلمان للمصادقة عليها. فهل هناك عقل تآمري في العالم مثل ما هو موجود في البرلمان العراقي؟، إنَّ السبب في ذلك هو أنَّ البرلمان تسيطر عليه الأحزاب والقوى الإسلامية وهي من تسن القوانين اذا ما تعذر عليها تمريرها عبر الحكومة.
القانون المشار إليه تزامن مع الإعلان من قبل الحكومة باعتبار ما يسمى بـ “عيد الغدير” عند الشيعة عطلة رسمية حكومية – عيد الغدير هو يوم يحتفل به الشيعة في 18 من ذي الحجة من كل عام هجري احتفالًا باليوم الذي خطب فيه النبي محمد خطبة عيَّن فيها الإمام علي بن أبي طالب مولًى للمسلمين من بعده، حيث أعلن النبي محمد، عليًّا خليفة من بعده أثناء عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة المنورة في مكان يُسمى بـ “غدير خم“، إلا أنَّ مؤامرة حيكت للإطاحة بعلي من قبل أبو بكر وعمر بن الخطاب وعدد من الصحابة حسب الروايات التاريخية وبغض النظر عن صحتها.
وكلا المشروعين، القانون المذكور و”عيد الغدير” هما للتيار الصدري، الذي ترك البرلمان، بعد أن مني مشروعه في تشكيل حكومة الأغلبية بالهزيمة، سواء عبر حقه القانوني لحصوله على أغلبية مقاعد البرلمان الذي كان ٧٦ مقعدا من أصل ٣٢٩ مقعدا، أو عبر محاولاته الانقلابية الفاشلة في احتلال البرلمان، واقتحام مبنى المحكمة الاتحادية التي أطاحت به عبر تعويم موضوعة “الثلث المعطل” في تشكيل حكومته في البرلمان.
اليوم يحاول جناح من الإطار التنسيقي الذي يمثل مجموعة من الأحزاب الإسلامية والمليشيات التي تشكل حكومة السوداني، استمالة التيار الصدري، وكسبه، عبر المصادقة على مشروع قانون “مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي” و عطلة “يوم الغدير”، من اجل إعادة صياغة معادلة سياسية جديدة استعدادا للمرحلة المقبلة، وخاصة بعد تداعيات حرب غزة على الأطراف المشكلة للحكومة بما فيها الإطار التنسيقي، ودخول العراق في مرحلة جديدة من الاتفاقات الاقتصادية والسياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا ودول الخليج.
التيار الصدري والطاقية الطائفية
التيار الصدري بلباس وطني وطاقية طائفية
مثلما أشرنا في القسم الأول من المقال أنَّ كلا المشروعين قانون “مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي” واعتبار “عيد الغدير” عطلة رسمية هما للتيار الصدري.
التيار الصدري يحاول النهوض من ركام انتكاسته السياسية، ويحاول استرداد زمام المبادرة والعودة الى المشهد بقيافة جديدة وعنوان جديد، تنسي اتباعه هزيمتهم السياسية، وتطمس ذاكرة ذوي ضحايا أكتوبر التي قتلتهم مليشيات الصدر (القبعات الزرق) في ساحات الانتفاضة في الناصرية النجف والبصرة وكربلاء وبغداد، لإجهاض انتفاضة أكتوبر بعد الفشل في ركوب موجتها أو احتوائها، من اجل تم تنصيب مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء.
وجدير بالذكر إنَّ الكاظمي هو من سمح باقتحام عناصر التيار الصدري للمنطقة الخضراء والبرلمان وتطويق المحكمة الاتحادية، في حين قتلت القوات الأمنية بالتنسيق والتعاون مع المليشيات، العشرات من المتظاهرين أيام انتفاضة اكتوبر ٢٠٢١٩ لمجرد محاولة عبورهم الجسور، للتجمع أمام المنطقة الخضراء، تعبيرا عن احتجاجاتهم ضد الظلم والفساد والبطالة. ومثلما حدث مع ميليشياته جيش المهدي عندما فاحت رائحة جرائمها الطائفية والقتل على الهوية بين عامي ٢٠٠٥- ٢٠٠٨، فاضطر الصدر إلى تغيير اسمه الى مليشيات “سرايا السلام”، ومن جهة أخرى نراه يسعى للجمع بين المشروع الطائفي من جهة والمشروع القومي المحلي (الوطني)، فعاد عبر مشروع سياسي جديد سماه (التيار الوطني الشيعي). وبمشروعه هذا، سدد التيار الصدري ضربة قاضية للأوهام التي كانت تبرئه من الطائفية، وتجزم بأنَّ مشروعه (وطني خالص) أي قومي محلي بامتياز.
وبقدر ما يمثل هذا المشروع بالنسبة للتيار الصدري مسعى للتعاطي مع المستجدات الحاصلة في المنطقة، فإنَّه وبالقدر ذاته يمثل محاولة لإعادة ترتيب أوراق الإسلام السياسي وإعادة إنتاجه بشكل عام، وترتيب أوراق الطائفية بشكل خاص، والنفخ بروحها التي أزهقتها انتفاضة أكتوبر-تشرين ٢٠١٩، لجمعها بيده. والمفارقة المضحكة، أنَّ “الطائفية” و”الوطنية” هما نقيضان، ولا يمكن الجمع بينهما، إلا انه في الحالة الصدرية يمكن تبنيها، لسحب البساط من تحت أقدام الموالين لإيران الرافعين لشعار الدفاع عن “مظلومية الشيعة”، ومن جهة أخرى التناغم مع ما يذهب إليه العراق أو تدفع به الولايات المتحدة الأمريكية للعودة الى (الحضن) العربي مضاف له (الحضن) التركي في المنطقة.
ويعتبر مشروع التيار الصدري المناهض لإيران، أقرب الى أحد أجنحة الإطار التنسيقي الذي يتصاعد فيه دخان البنادق، ويمثله المالكي والخزعلي والعامري، بعيدا عن كل الأوهام التي ينثرها هنا وهناك، التي تتمثل بتعالي صوت بكائه وصرخاته غير الثورية على أهالي غزة. فتلك الصرخات لا تتجاوز أن تكون أكثر قوة وصدى من أصوات جماعات (المقاومة والممانعة)، وهي لا تتعدى سوق المزايدات السياسية في موسم سوق عكاظ الفلسطيني. وقد بات الجناح الثلاثي المشار إليه (المالكي والخزعلي والعامري)، يضيق ذرعا من تصرفات الجناح الذي ربط مصيره مع مصير المشروع القومي الإيراني الذي يختبئ تحت عناوين وشعارات؛ تحرير فلسطين والمقاومة والممانعة والشيطان الأكبر والاستكبار العالمي.
وبمباركة وموافقة الثلاثي، ذهب السوداني الى واشنطن وعقد الاتفاقيات الاقتصادية، بما فيها العقد الذي ابرمه لشراء السلاح الأمريكي بقيمة ٧٠٠ مليون دولار، مما يعني زيادة عدد الخبراء العسكريين والمستشارين الأمريكيين في العراق، في الوقت الذي تم التطبيل فيه إلى أنَّ الزيارة ستؤدي إلى إنهاء الوجود الأمريكي في العراق. وليس هذا فحسب بل عقد السوداني اتفاقات اقتصادية استراتيجية في مجال الطاقة مع الجانب الأمريكي، والأدهى من ذلك أشار البيان الختامي المشترك في نهاية الزيارة إلى تأكيد إتمام ربط العراق بشبكات الكهرباء بالخليج والأردن دون الإشارة لا من بعيد ولا من قريب الى إيران. ولم يقف عند هذا الحد بل أن واشنطن أوعزت لتركيا بتقوية نفوذها الاقتصادي والسياسي في العراق، وأخذ زمام المبادرة بدلاً منها، فأمريكا باتت مشغولة بغزة وأوكرانيا والتمدد الصيني عبر المحيط الهادي، وقد أعطت الضوء الأخضر لأردوغان الذي زار العراق مؤخرا بالتوغل العسكري بالأراضي العراقية بعمق ٤٠ كلم، تحت عنوان تصفية الجماعات الإرهابية المتمثلة حزب العمال الكردستاني المدعوم من ميليشيات الحشد الشعبي والاتحاد الوطني المدعومين من إيران.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أبرمت عشرات الاتفاقيات الاقتصادية بين العراق وتركيا، وأبرزها ما سمي بطريق التنمية، الممول ماليا من قطر والامارات وتركيا، الذي يعني بالأخير تقوية النفوذ لكل القوى الإقليمية المنافسة لإيران في منطقة تعتبرها حديقة خلفية لها.
وهذا ما دفع الميليشيات الموالية لإيران ألا تقف موقف متفرج تجاه كل هذه الاتفاقيات، فعادت بقصف القوات الأمريكية في قاعدة عين الأسد مرتين في العراق ومرة في سورية، مما دفع الجانب الأمريكي بمطالبة الحكومة العراقية بوضع حد لها، كما تم قصف حقل غاز قرب مدينة السليمانية التي تتواجد فيها شركة دانا للغاز الإماراتية العملاقة، كما تقوم تلك المليشيات بالإعلان بين الحين والأخر عن قصفها لإسرائيل وبغض النظر عن صحتها، ومساعي حثيثة في إشاعة الفوضى لإحراج حكومة السوداني من خلال اتساع حملات اغتيالات واسعة لأهداف رخوة إذا صحت العبارة، مثل اغتيال النساء وغيرهم من لا حول له ولا قوة.
عذراً التعليقات مغلقة