أبناء الرافدين وثقافة التباهي بالقوة.. قضية مستمرة

أبناء الرافدين وثقافة التباهي بالقوة.. قضية مستمرة

آخر تحديث : الخميس 9 مايو 2024 - 8:13 مساءً
Screenshot 2024 05 09 at 19.56.33 - قريش
roundcube 1 - قريش

 د. توفيق رفيق التونچي

السلاح ليس من إكسسوارات الأزياء الا بين شعوب الشرق اذ يتباهون به.  ولا يعني حمل السلاح  الا شيئا واحدا وهو القتل ودليلا للجبروت واستخدام القوة واداة للعنف والسيطرة.  السلاح يحمله المقاتل والجندي ورجل الشرطة والقوات العسكرية وطبعا رجال الميليشيات والعصابات. وتزدهر أسواق السلاح  في حالة  وجود الحروب والنزاعات او حين ترى الحكومات او الأحزاب الحاكمة اي خطورة عليها من أعداء الداخل او الخارج  من إنسان او  حتى من الحيوان. 

 لا يوجد اي تفسير لحمل الاسلحة عند البشر الا في المجتمعات البدائية كأداة للصيد لانه عاجلا ام آجلا سيستخدمها الشخص اما دفاعا عن نفسه او في الشروع بجريمة وأحيانا كرسالة رمزية موجهة الى الخصم ولزرع الهلع والخوف في قلوب الاخرين.

Screenshot 2024 05 09 at 19.56.43 - قريش

لم اجد السلاح  كزينة في تماثيل السومريين والاكديين في حضارات العراق القديم . نموذج ذلك نجده  في جميع تماثيل الحاكم العادل الملك كوديا بالمقارنة مع تماثيل الملك الاشوري شلمنصر وملوك بابل مثلا وحصريا موجودة بين الاشوريين  والبابلين في الحضارات العراق القديمة. 

اعتاد اهل الشرق والرجال وحتى بعض النساء ولكن الأكثرية  بصورة عامة هم من الرجال ، اعتادوا ان يُلتقط لهم صورا بالملابس الشعبية المناطقية  و المحلية  واكسوارت اضافية  مع وجود السلاح الأبيض السيف او الخنجر ،ومن ثم مع تطور السلاح  الى البندقية والبرنو و الرشاشة . حدثني احد أصدقائي من اللاجئين انه في ايام الكفاح المسلح كان جل امنيته ان يرى  ابنه البكر وهو يتمنطق حزاما مع مسدس. هذا الولع الشرقي للسلاح تعود جذوره الى البداوة، حيث السلاح جزء لا يتجزء من مقتنيات البدوي ولا يفارقه ليل نهار .  أتذكر بعض الحكايات التي كان يرويها القرويون عن عادات الزواج حين كانت بندقية الصيد تعتبر هدية ومهرا للعروسة.

Screenshot 2024 05 09 at 19.51.55 - قريش

 جل علماء، مفكري ، وادباء ،شعراء  وسياسيي العراق ومنذ تأسيس دولة العراق الحديثة،  اما اعدموا او هجروا الى المنافي او قضوا حياتهم في الزنزانات و لقوا حتفهم في سجون ومعتقلات البلاد او وافاهم الأجل المحتوم تحت التعذيب. 

الذي كان يدعو اليه القائد)   لانك العراق ( كل ذاك ولد في المجتمع العراقي دولة الارهاب وحكومة القتلة والمجرمين  لان جميع اجهزة ومؤسسات الدولة كانت تخدم الحاكم وحزبه حتى الجيش والامن والاستخبارات العسكرية كان كل هدفهم حماية القائد الضرورة،الثورة والحزب وكان كل همهم تنفيذ التقارير الإخبارية الواردة (ميم خط مائل) لهم من المخبرين حول اعداء الثورة والحزب حتى لو كان المخبر طفلا سمع والده يسب او يهين الرئيس)حفظه الله ورعاه(  ليلقى مصير الإعدام على فعلته تلك وتصل قرارات التجريم جميع افراد العائلة والاقربين حتى العشيرة باكملها. كما ان هناك روايات مرعبة للحوادث التي حصلت بين جدران السجون والمعتقلات استخدمت بحق مع من كانوا يصفون باعداء الثورة.

 الجلاد كان ابن البلد وكان يعود الى داره كل مساء ليحضن أطفاله  و زوجته. الظالم كان الحاكم والمظلوم الشعب الذي حرم حتى عن الحزن لإعدام  أبنائهم امام دارهم لتهلل الام المفجوعة بقتل فلذة كبدها ويركن الاب  نفسه جانبا ليدفع ثمن الرصاص الذي اودى بابنه البكر ومزق جسده بينما يصفق المشاهدون ويهلهلون باسم القائد وربما كل ذلك” تقية.” كما يدعي العامة بعد زوال الطاغية. هذا العرس الدموي تكرر في مدن العراق واحيائها لكن ايتامهم يدعون بانه كان الزمن الجميل.

قبل خمسة عقود خلت روى لي احد الادباء اليسارين بالتفصيل عن حادثة شاهدها في احدى السجون التركية حين عادوا باحد رفاقهم بعد التعذيب فلم تمر الا دقائق ووافته المنية .كنت قد رويت الحادثة لاحد رفاقي ابان الخدمة العسكرية  فكتب لي بعد سنوات، كنت قد تركت العراق بان ما يحصل في سجون العراق يتعدى خيال اي مجرم قاتل مهووس مريض. لكن اذا كان الحاكم مجرما واوامره اجرامية يبيح استخدام العنف الشديد مع مواطنيه لحد الموت ،

فاي دولة عدل اراد بناءها هؤلاء المجرمون ؟؟  هناك مجتمعات اخرى بناها المجرمون والقتلة والغزاة يعتبرون السلاح جزءً من المقتنيات الشخصية، ولهذا ينتشر العنف والقتل في تلك المجتمعات ،كما هو مجتمع الولايات المتحدة. 

Screenshot 2024 05 09 at 19.52.08 - قريش

 اما المجتمعات المتحضرة فيرفضون وجود السلاح حتى لدن الشرطي الذي يتجول في الشوارع  معتبرين انفسهم بشرا وليس قطيعا يحتاج الى راعٍ مسلح.

 النظرة الانسانية الحضارية للوجود البشري يرفض العنف الغير مبرر والدفاع عن النفس في حدود المعقول ربما ضرورة لتفاوت الدرجات الحضارية لتطور المجتمعات البشرية. لامني صديق من الأدباء لكتابتي عن اثار استخدام العنف في العراق ايام الدكتاتوية الحمقاء ضد المثققين من العراقيين من الشعراء والأدباء والفنانين والسياسيين ،والغريب انه ادعى بان هؤلاء من الخونة من جواسيس السوفيات وايران و  كانوا كارهين  للعراق و اعطى مثالا في شاعرنا محمد مهدي الجواهري وفي اشعاره في مدح بيئة ايران وجمالها.

Screenshot 2024 05 09 at 19.52.22 - قريش

فهل كان هؤلاء فعلا يكرهون العراق ام من محبتهم كان كبيرا لوطن اغتصبها الفاشست منذ ١٩٦٣ وعاثوا فيها فسادا كانوا يكرهون الظلم والحكم الجائر  ولم يكونوا من ابنائه  العاقين، حتى حين هاجروا وتركوا الوطن ماتوا حسرة وقبورهم هناك . تركوا وطنا ينهشه هؤلاء الوحوش البشرية اللذين لم يجلبوا للوطن سو ى الحروب والخراب والدمار.

 كيف يمكن للانسان ان يبرر القتل واستخدام العنف وطرق غير أخلاقية في التعذيب وتهجير وانفلة ودفن البشر احياء في مقابر جماعية واستخدام الغاز في قتل ابناء الوطن الواحد ودخول الى حرب مع الجيران وابناء الوطن والقائمة تطول في الجرائم الشنيعة  والتذكير من باب التوثيق و العبرة بعدم تكرار تلك الجرائم.

Screenshot 2024 05 09 at 19.52.37 - قريش

 التذكير بكل تلك الجرائم واجب انساني وكي لا تكرر وعدم النسيان خاصة لهولاء اللذين يدعون بان تلك الايام كانت من)  الزمن الجميل ) ويشتاقون لحمل السلاح والبطش والعنف الذي لا يزال يتغنى به العراقي   متناسيا ان جيل الطيبين  قدموا للوطن : بيان رقم واحد, بالروح بالدم ، القانون من كلمتين ،محكمة الثورة، بطل الببسي، العصابات الشعبية، الزيتوني، الحروب؛ (كوردستان، ايران والكويت وام المعارك) المقابر الجماعية، مجزرة الدجيل، قصر النهاية ، قاعة الخلد والامن العامة، المنظمة، م خط مائل، نكرة سلمان، الانفال ،غاز الخردل، الميك و السيخوي، التطهير العرقي، التعريب، تهحير الفيلين، عصابات كتائب فرق الاعدامات، ناظم كزار و ابو طبره، الكافور، عمود البيت لأنه العراق، و القائمة بلا نهاية…………………………………………………………………………………..

  ما دام السلاح ملازما خصر البشر سيبقى الظلم على الارض. وستكرر المآسي الانسانية هنا وهناك، ما دامت النفوس مريضة وتقبل بالجريمة كحل للخصام وعدم الاتفاق فيما بينهم. و سيبقى أنين المظلومين في سجون المجرمين وكلماتهم على حائط الزنزانات  خالدة الى يوم الدين.

٢٠٢٤

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com