الفساد مُتجذِّر في دول العالم الثالث  

آخر تحديث : الثلاثاء 14 مايو 2024 - 1:20 مساءً
الفساد مُتجذِّر في دول العالم الثالث  

علي اوعمو

كاتب من المغرب.

• يعمّ الفساد العديد من دول ما يُسمّى بِ(العالَم الثالث) أو (العالَم المُتخلِّف) جميعَها، و دون استثناء، و مِنْ الناس مَن يَتساءَل عن أسباب تفشّي هذا المَرَض المُزمِن، رَغْم تَوفُّر هذه البُلدان على ثَرواتٍ طبيعيّة جدّ مُهِمّة، كما يَتساءَلُ البعض عن كيفية القضاء على هذا الوَباء الخطير و التَّخلُّص منه…

•  جميع أنواع الفساد مصدَرُه  فساد النُّظم السياسيّة و استيلاء الحُكّام على زِمام الأُمور و التحكُّم المُطلَق على الشؤون العامّة، دون أن تخْتارَهم و تصطَفيَهم الشعوب لإدارة أمورها، فهؤلاء الحُكّام و طبقات من حوْلهم يَسعوْن فقط وراء مصالِحهم الشخصيّة، بعيداً عن أيّة مَصلحة عامّة، يَنهبون ثروات و خيرات هذه البلدان بِطُرق مُتنوّعة، كاختلاس الأموال التي كان الهدف منها إنشاء المشاريع التي تخدم عموم المُواطنين، ومنح العطاءات والوظائف لأناس غير مؤهلين، الموالين لِدوائر الحُكم المُسيْطِرة على كلّ شيء في الدولة و غير ذلك من أشكال الفساد… و للأسف الشديد، تنتقل هذه العدوى إلى مُختلَف الإدارات داخل هذه المُجتمعات و تتغلغل  لِتشمَل صغار المُوظّفين، نَظراً لانعدام المُراقبة و المُحاسَبة لكون تفشّي هذا المَرض قد انحدَر من السُّلُطات العليا المُتحكِّمة التي نثرتْ بُذور هذه الآفَة في أوساط المُجتَمعات، فقد استطاعت تحويل الفساد من سلوك مَذْمومٍ إلى ظاهرة اجتماعية عادية مَقبولَة لدى العامِّ والخاصّ و تَتقبَّلها بكلّ أريحيَة وتتوارثها الأجيال، جيلاً بعدَ جيل..

• و من هنا يمكن القوْل بأنّ الفساد، عندما يأتي من القِمّة يصعُبُ التخلُّص منه بسهولة و الحدّ من انتشاره..

• إنّ القضاء على الفساد بشتّى أنواعِه، مُمكن، و لكنّ ذلك يستدعي إرادة سياسية قوية في التغيير الجذري للأوضاع القائمة، و يقتَضي و يستَوْجِب إنشاء ديمُقراطيّة حقيقيَّة، بحيثُ يتمّ تَداوُل السلطة بين أبناء شُعوب هذه البلدان، عن طريق انتخابات نَزيهة و شفّافة، تنبَثِق عنها مُؤسسات دستوريّة حقيقيّة، وذلك بعد صياغة دساتير حقيقيّة تَقومُ بِصياغتِها نُخَبٌ مُحايِدة مَشهودٌ لها بالاستقامَة، تُراعى في فُصولها و بُنودها مصالح الشعوب بتحديد صلاحيات و اختصاصات جميع مؤسسات هذه الدول، تُستفتى الشعوب عليها و تُبدي رأيَها فيها، و بعد ذلك يُشرَع في انتخاباتٍ نزيهةٌ و شفّافة، لا صوريّة، تَختارُ من خِلالِها الشعوب رُؤَساءَ أكفاء يُديرون شؤونَها، و لِولايَةّ مُحدَّدة المُدّة، حُكوماتٌ تَخرُج من أَرحام البرلمانات المُنتَخبَة، قَضاءٌ مُستَقِل عن السُّلَط التشريعيّة (البرلمانات) و السُّلَط التنفيذيّة (الحكومات). و حينئذٍ سَتستقيمُ الأمور في هذه البلدان و ستَأْخُذ طريقَها نحوَ التَّقدُّم و الازدهار و في كلّ المجالات و الميادين، السياسيّة منها و الاقتصاديّة و الاجتماعيّة و غيرها و سينتفي الفساد تِلقائيّاً و يَختفي.. • أمّا في ظلّ الحُكم ، التقليديّ المُتجاوَز، الذي تَتَولّى فيه العائلات  السُّلطة و إدارة شؤون البُلدان على مَقاسِها و على هَواها، فلَن تعرف هذه الدول سبيلَها نحو أيَّة تنميّة و لَن تَتَمكَّنَ من اللِّحاق بالدول المُتقدِّمة في العالم و لن تَتَبوَّأَ مَكاناً مَرموقاً بين الأمم العُظمى، في عالَم الحَداثَة و التكنولوجيّات العصريّة المُختلفة و المتنوِّعة. و سَيبقى الفسادُ مُستشرياً فيها بِكُلِّ أشكالِهِ و أصنافِه و ستَظَلُّ خلْفَ الرّكْبِ، تَتحكَّم في شؤونها النُّظُم الديمُقراطيّة الغربيّة، الأروبيّة و الأمريكيّة، و سوفَ تَبقى رهينَةَ التّبَعية السياسيّة و الاقتصاديّة لهذه الدول و خاضِعةً لأوامِرِها و نواهيها لِكوْنِها ضعيفةً و هَشَّةً، و بذلك تبقى فاقِدةً للاستقلاليّة في قراراتها، و ستَظَلُّ خانِعةً و خاضعةً لِصندوق النّقد الدولي و البنك الدولي اللّذيْن يَسعيان لإغراقِها بِديونِهما المهولةِ لا تقوى على التخلُّص منها و لا تستطيع الإفلاتَ من إملاءاتهِما الرّاميَة إلى إبْقائِها على ضعفِها و تخلُّفِها.• ذلك أنّ حُكّامَ هذه الأنظمة الشمولية المَقيتة يَسعَوْنَ فقط إلى الاستمرار في تَربُّع كراسي (التّسلُّطِ) و (التَّحكُّم)، و لا تهمُّهم المصالح العُليا لهذه البلدان، فقد جعلوا من الشعوب أشْبَهَ بِقُطعان أغنام يَسوقونَها أنّا شاءُوا و كيْفَما أرادوا، مُستَخدِمين في تَرويضِها ألياتِ القمْع و التّفقير و التجويع و التَّجهيل، مُنتهكين بذلك جميع المَواثِق و الأعراف الإنسانيّة، لأنهم فاقدون لأيّ حسٍّ أخلاقيّ و لِكوْنِهم مَحميّين من طرف الدول (العُظمى) التي تسعى وراءَ مَصالحها غاضَّةً الطّرف عن مُمارسات هؤلاء الحُكّام في حقّ شعوبهم، بلدانٌ تزخَر بثروات طبيعيّة هائلة لا تنالُ منها شعوبُها شيْئاً، جرّاء عدَم التوزيع العادل لهذه الثروات 

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com