د. مناف حسن العلي
نعيم حداد دبّر عملية استدراج لعلاوي وشبيب، لكنهما استشعرا الخطر ولم يحضرا من لندن الى بغداد
علاقتي مع علاوي منذ أيام مكتب الطلبة للبعث في العام 1966
هذه قصة قيادة تنظيم حزب البعث في لندن في السبعينات
أو أن يكون شخصية (Public Figure) إبتداءً، إنَّ مَن ارتضى لنفسه أن يكون شخصية عامة سياسية مشهورة، فعليه أن يراقب تصريحاته وتحركاته لأنها لم تعد ملكه وحده هو بل هي لجمهوره ومتابعيه ومناصريه، فأية هفوة تصدر منه أو خطأ في ما يدلي به من معلومات ستضعف من مصداقيته وتعزز موقف خصومه منه. إن نقد الشخصيات العامة ليس الغرض منه التجريح أوالتشهير بهم، بل لتقويمهم أولا وإطلاع الجمهور على الحقائق ثانيا، وعليهم أن يتوقعوا ذلك لاسيما أن هذه الشخصية التي نحن بصددها وصلت الى رئاسة وزراء العراق.
في لقاء د. إياد علاوي مع صحيفة “الشرق الأوسط”، السعودية، بدأ حديثه عن “نزاهة” صدام حسين إذ ذكر أنهم لم يعثروا على أي شيء مسجلاً باسم صدام حسين، ثم تحدث عن ظروف تركه العمل في حزب البعث، وأكد أنه ترك العمل في حزب البعث في العام 1974 وذلك بسبب الأخطاء التي ارتكبها النظام وإبتعاده عن نهج الحزب وعقيدته والخط الوطني والقومي للحزب. وكذلك بسبب اعتراضه على “اتفاقية الجزائر” التي وقّعها صدام حسين مع شاه إيران، ثم بدأ بتشكيل تنظيم سري لإطاحة نظام البعث في العراق في العام 1975 سمّاه (الوفاق) وذكر اسماء عدد من مؤسسي التنظيم، ثم أصبح ذلك التنظيم يعرف باسم (الوفاق الوطني) بعد غزو الكويت في العام 1990. ثم تطرق علاوي في اللقاء الى المحاولة الفاشلة التي جرت لإغتياله وبعد ذلك تحدث عن أوضاع العراق السياسية ما بعد 2003 والتي يعرف الجمهور معظمها.
ربما نسيَ السيد علاوي كيف انتهت علاقته بحزب البعث، إذ مضى على الحادثة التي سأذكرها في أدناه ما يقارب من خمسة عقود.
إنًّ معرفتي وعلاقتي بالدكتور إياد علاوي تعود الى العام 1966 حين كنا نعمل ضمن تنظيمات مكتب الطلبة التابع لحزب البعث العربي الإشتراكي. وبعد ذهابي الى المملكة المتحدة، مرةً للدراسة ومرةً أُخرى للعمل كدبلوماسي في سفارة العراق، عملنا معاً أيضاً ضمن تنظيمات شعبة حزب البعث في بريطانيا، كما إرتبطنا بعلاقات عائلية عندما كان متزوجاً من زوجته الأولى المرحومة د. عطور عصام.
أما تعقيبي على هذا اللقاء فسيتضمن: الجزء الأول كيف انتهت علاقة إياد علاوي مع حزب البعث، اذ ربما أكون أنا الشاهد الوحيد على هذه الحادثة.
والجزء الثاني: سأتحدث عن نزاهة صدام حسين في الحكم كما وردت على لسان علاوي، حين أكد على نزاهته وبرأه من التلاعب بالمال العام.
ما جرى في العام 1975
ألتحقت بعملي الجديد مستشارا ثقافيا في سفارة العراق في تشرين الأول من العام 1975. زارني في مكتبي للسلام والتهنئة الصديق العزيز ضياء الشيخلي السكرتير الأول في السفارة، والذي كان مكلفاً بمسؤولية التنظيم الحزبي لشعبة بريطانيا آنذاك، وكان بمعيته السيد اياد علاوي عضو شعبة التنظيم الحزبي، وأخبرني بوصول قسيمة نقلي الحزبي من بغداد، وأتفقنا على التواصل للإستمرار في العمل الحزبي. أستمر وضع شعبة بريطانيا على ما هوعليه حتى منتصف العام 1976، حيث نُقل الاخ ضياء الشيخلي الى بغداد فسلَّم التنظيم الى د. إياد علاوي مؤقتا لحين تعيين مسؤول جديد من بغداد. لم تمض فترة طويلة ربما في الشهر التاسع أو العاشر من نفس العام، ورد كتاب من القيادة القومية يتضمن عقد مؤتمر لتنظيمات الحزب خارج العراق ويحدد في الكتاب أسماء الأعضاء الذين سيشاركون في المؤتمر من كل دولة. فبالنسبة لشعبة بريطانيا كانت أسماء المطلوب مشاركتهم هم إياد علاوي، مناف حسن العلي، وصلاح شبيب رحمه الله أخ المرحوم طالب شبيب.
جاءني السيد اياد الى مكتبي ومعه صلاح شبيب ليبلغني بالكتاب ويستفهم مني إذا كان باستطاعتي الذهاب الى بغداد. قلت له أنا موظف في الدولة العراقية وليس لدي خيار، سأذهب طبعاً. قال صلاح اذا ذهب اياد سأذهب واذا لم يذهب اياد فلن أذهب. شعرت أن الأثنين يخشيان من الذهاب الى بغداد. انصرف الأثنان على أمل أن نتواصل لنحدد موعد السفر.
ذهبت الى البيت بعد انتهاء الدوام الرسمي، رنَّ هاتف البيت واذا بصوت اياد يسألني عن رأيي في سفره الى بغداد. قلت ليس عندي رأي حيث هناك أمر من القيادة بإستدعائنا الى بغداد وليس بإستطاعتي أن أقول لك لا تذهب، إذا كنت تخشى من الذهاب فاتخذ القرار الذي يناسبك انت وحدك، شكرني وأغلق الهاتف. يذكر هنا انَّ اياد منذ مغادرته العراق في بداية العام 1971 متمتعاً ببعثة دراسية من منظمة الصحة العالمية لم يزر العراق بالرغم من وجود سفرة مجانية سنوية لكل طالب بعثة مع عائلته. وهذا يزعج القيادة في بغداد، حين لا يتمتع طالب البعثة بالسفرة السنوية وكذلك في حالة بقاء اي طالب خارج العراق بعد انتهاء دراسته وعدم العودة، ونفس الشيء ينسحب على الموظفين في السفارات في حالة عدم عودتهم.
قبل سفري بيوم أو يومين أتصل بي د. إياد ليخبرني بأنه غير قادرعلى السفر الى العراق لأنَّ جواز سفره محجوز في وزارة الداخلية البريطانية.
كما أنَّ المرحوم صلاح شبيب اتصل بي ليخبرني أنه ليس بإستطاعته السفر الى العراق لأن زوجته أصيبت بنزف داخلي وهو مضطر للبقاء بجانبها.
سافرتُ الى بغداد مع زوجتي وولدي، وصلنا المطار في المساء.، وكان في استقبالنا موظف من تشريفات القيادة القومية للحزب، أوصلنا الى بيت الأهل وأبلغني بالحضورغدا في التاسعة صباحا الى مبنى مكتب العلاقات الخارجية للقيادة القومية الكائن في منطقة علي الصالح آنذاك.
ذهبت في اليوم التالي الى المكتب، وأستقبلني جوزيف الشعار وهو من اللاجئين السوريين وكان يشغل سكرتير المكتب، علمت فيما بعد انه هرب من العراق، وكان نعيم حداد عضو القيادة القومية هو مسؤول المكتب.
بعد تبادل السلام وشرب قدح الشاي، سألني عن سبب عدم مجيء إياد وصلاح، فأخبرته بما علمت منهما. في تلك الساعة فوجئت بعدم وجود أي دلائل تشير الى مؤتمر حيث لم يكن في مكتبه سواي، فسألت السيد جوزيف عن المؤتمر، فأخبرني بأن الرفيق نعيم سيخبرك بذلك. دخلت الى نعيم حدّاد فأخبرني أنه لا يوجد مؤتمر ولكن لدينا معلومات تفيد بأنَّ إياد وصلاح لديها النية بعدم العودة الى العراق، وإن إفتعال عقد مؤتمر كانت الغاية منه إستدراجهما الى بغداد من دون أن يشعرا بوجود شيء ما ضدهما، ويبدو أنَّ هذه المعلومات كانت صحيحة على حد قول نعيم حداد. ثم قال لي: تمتع بإجازتك وبإمكانك السفر الى مقرعملك متى ما شئت. حمدت الله على السلامة وودعته وخرجت من المكتب.
بعد بضعة أيام جاءتني مكالمة من مدير مكتب الأمانة في القيادة القومية آنذاك عبد الغني عبد الغفور، يطلب مني الحضور الى المكتب الكائن قرب المحطة العالمية. قابلته وكانت نفس الأسئلة موجهة لي عن سبب عدم حضور اياد وصلاح.
في أثناء مكوثي معه، اتصل هاتفيا بشخص ما في المكتب وطلب منه إرسال برقية الى سفارة العراق في لندن يطلب فيها إستدعاء أياد وصلاح الى بغداد في فترة أقصاها أسبوعين، ثم ودعته وغادرت مكتبه.
مكثت في بغداد حوالي الأسبوعين ثم غادرتها ملتحقا بعملي في لندن.
لم تمض سوى بضعة أسابيع حتى وصل اليَّ كتاب سري وشخصي من القيادة القومية عن طريق السفير، الذي استدعاني لتسليمي الكتاب. عند فتحي الكتاب وجدته يتضمن: 1- تكليفي بإستلام التنظيم من إياد علاوي مؤقتاً لحين تعيين مسؤول جديد، 2- إنزال عقوبة الفصل من الحزب لإياد علاوي، 3- إنزال عقوبة التجميد من الحزب لصلاح شبيب وذلك لعدم تنفيذهما قرارالقيادة بالحضور الى بغداد عند استدعائهما
اتصلت بإياد هاتفيا وطلبت مقابلته لتبليغه بأمر ما. رفض المجيء الى السفارة واتفقنا ان نلتقي في فندق كلوستر القريب من السفارة بحدود الرابعة عصراً. ألتقينا حسب الموعد وأبلغته بقرار الحزب حيث تلوته عليه كما هو، فلم أشعر انه تفاجأ وأخبرني أن ملفات التنظيم في مقر الشعبة الكائن في بناية السفارة.
ودعته ولم نلتق بعد ذلك الى العام 1989 في موسكو حينما جاء في زيارة سرية لشقيقته وزوجها نوري البدران الذي كان يشغل وظيفة مستشاراً في سفارة العراق في موسكو.
هكذا انتهت علاقة اياد علاوي بحزب البعث.
استاذ جامعي ودبلوماسي عراقي سابق/أمريكا – ولاية تكساس
تحذير قانوني لا يمكن اعادة النشر من دون النقل عبر رابط التقرير وذكر المصدر
عذراً التعليقات مغلقة