أهل السُّنة بين نبض الماضي وجمود الحاضر ومعالم النهضة
*الثقافة الوسيطة*
ربيع الحافظ
مفكر عراقي مقيم في بريطانيا
الإسلاميون والقوميون والوطنيون الذين انحدروا من أصول أهل السنة واشتبكوا طوال القرن العشرين في صراع فكري عنيف لم يدركوا أنّ بينهم أرضاً مشتركة شديدة الحساسية وأنّ صراعهم يهدد أمن البلاد ويصب في مشاريع الأقليات.
الزلزال الاجتماعي والثقافي ما بعد 2003 والذي نجم عن انهيار الدولة في البلدان التي تسيطر عليها إيران كان قد أخره قيام الدولة القومية العربية بعد زوال الدولة الإسلامية في صورتها الأخيرة (العثمانية).
شكلت الدولة القومية مرحلة ثقافية وسيطة (ما بين الانهيار الجزئي 1918 تحت الاحتلال الأوربي والانهيار الشامل تحت الاحتلال الأمريكي الإيراني 2003) واستطاعت المجتمعات خلالها من ترميم ثقافتها الإسلامية وتراثها العربي فيما بقي كيانها الاجتماعي امتدادا للكيان الاجتماعي العثماني.
الإسلاميون والقوميون والوطنيون الذين انحدروا من أصول أهل السنة واشتبكوا طوال القرن العشرين في صراع فكري عنيف لم يدركوا أن بينهم ارضا مشتركة شديدة الحساسية وأن صراعهم يهدد أمن البلاد ويصب في مشاريع الأقليات.
كبير مستشاري المحتل الانكليزي جون فيلبي ميز هذه الثقافة الوسيطة والأرض المشتركة التي تقوم عليها: ’’هناك قطعة جغرافية فسيفسائية التركيب اسمها الوطن العربي أهلها تأثروا بالغرب على الصعيد القومي ولكن قوميتهم العربية ظهرت في عالم مسلم، وسقطت الخلافة في الباب العالي لكن آثارها مازالت قائمة، واعتقد الناس أن المسألة الشرقية قد انتهت بمولد معاهدة سايكس بيكو ثم اتضح خطأ اعتقادهم حيث بقي المسلم السني الذي كان يمثل القدس أو بيروت أو دمشق أو بغداد في مجلس المبعوثان هو الذي يمثل الزعامة العربية بعد زوال العهد العثماني ومولد الدول العربية المستقلة، وهكذا لم تسقط المؤسسة التي كانت امتداداً للإمبراطورية العثمانية بل بقيت بعد سقوطها تتصدر القيادات العربية في كل عاصمة عربية وبقيت العائلات العربية السنية التي كانت تمثل بلادها لدى الباب العالي هي التي تتزعم وتقود بلادها بعد زوال الأتراك‘‘.
في خضم الزلزال الثقافي والاجتماعي بعد 2003 دخلت الشخصية السنية طور خمول سببه أن المجتمع والدولة هما معا سبيكة فاعلة ثنائية المعدن وأن انفصام السبيكة لا ينتج عنه توزيع خصائصها الفاعلة على المعدنين المكونين لها بل عودة كل معدن إلى حالته العادية وعلى أهل السنة تحديد عناصر الثقافة الوسيطة بينهم وذلك على طريق استعادة آلية الابداع وإحياء السبيكة.
عذراً التعليقات مغلقة