علي اوعمو
كاتب من المغرب
• ساهَمت الحروب الأهلية في القارة السمراء في إضعاف دولها و تدميرها و تشريد سكانها و تهجير العلماء من أبنائها إلى البلدان الأجنبية من أجل فرص العمل، و قد تعدّدت أسباب هذه الحروب الأهليّة ،وأهمّها، النزاعات الطّاحنة على السلطة و على الموارد الطبيعيّة التي تزخر بها هذه البلدان، و قد استغلّت الدول الاستعماريّة، التي كانت مُحتلّة لهذه البلدان، هذه الأوضاع من أجل تقسيم القارّة على أساس اثني كي تُحافظ على مصالحها في المنطقة و ظلّت تتحكّم في سياستها و تستفيد من ثرواتها.
• و اليوم حان الوقت لنبذ كل الخلافات بين الأجناس و الأعراق و القبائل و العشائر قَصدَ بناء هذه الدول على أسس متينة من أجل النهوض بها من جديد و العمل على تنمية شاملة في جميع الميادين و المجالات، و من أجل ذلك ،يجب على جميع النُّخب من سياسيّين و مُثقَّفين أن يعرفوا و يُدرِكوا أنّ الحلّ الوحيد لمشاكل بلدانهم في التنمية و التقدّم و الازدهار، هو العمَل على إنشاء ديمقراطية حقيقية، بعيداً عن الحكم التقليديّ المُتجاوَز الذي يعتمد نهج الحُكم الفرديّ و تمجيد الشعوب و تقديسها للأشخاص الحاكمين، و الاتجاه نحو بناء ديمقراطية حقيقيّة، من خلال انتخابات نزيهة و شفّافة تُشرف عليها لجانٌ مُستقلّة و تُشارك فيها الشعوب بكل حرية، يتمّ من خلالها إنشاء مؤسسات دستورية وفق دساتير جديدة و إلغاء الدساتير القديمة التي تجاوَزَها العصر الحالي، و اختيار رؤساء شرعيّين؛ عن طريق انتخابات حرة و نزيهة، و لولايات مُحدَّدة و محدودة الزمان، و بهذا ستأخذ طريقها نحو التقدم في جميع الميادين و المجالات، بُغية اللِّحاق بركب البلدان العُظمى في العالم، و من تمّة ستُصبح قوة سياسية و اقتصادية تتعامل مع دول العالم المُتحضِّرة بندّية دون حاجة إلى التبعية السياسية و الاقتصادية التي تُعاني من ويلاتها اليوم .
و في إطار دمَقْرطة هذه الدول، فإنّها ستتمكَّن حتماً من التخلُّص من تبعيّة الدول الأوروبيّة الاستعماريّة التي لا تسعى إلّا وراء مصالحها، باستغلالها للنُّظم السياسية المُستبدة من أجل نهْب ثروات هذه البلدان، اعتماداً على الاتفاقيات المُبرمة معها قبل منحها استقلالها الشكليّ المُزيَّف.. و لكي تخرج من هذه الأزمة، عليها أن تبني بلدانها على أسس ديمقراطية تحكمها مؤسسات دستوريّة بعيدا عن الحكم التقليدي المبني على فردانية الحكم و احتكار الحكام لجميع السلطات بغية تسيير شؤون هذه البلدان حسب هواهم و وفق مصلحتهم الشخصيّة. و في معظم هذه البلدان يتمّ الحكم عبر الانقلابات العسكرية و التي تؤدّي إلى حكم عسكري بغيض، ذاك الحُكم الذي يعتمد النهج الدكتاتوريّ كأسلوب لإدارة شؤون هذه البلدان..
و بِبناء الديمقراطية في هذه البلدان ستستطيع أن تقوم من جديد و تنهض و تواجه الدول الغربية بندّية في كلّ اتفاقية تُبرِمُها معها في كل المجالات، علماً أن البلدان الإفريقية تزخر بثروات طبيعية و بشرية هائلة تُؤهِّلها لتحتلّ المراتب المتقدّمة بين الأمم المُزدهرة..
و كلّ ما نراه اليوم من صراعات على السلطة لا يُبشِّر بأيّ تغيير في النهج السياسي للعديد من هذه البلدان التي لاتزال تحكمها عقليات عسكريّة لا تؤمن بالديمقراطية و لا بالحرية و لا بالعدالة الاجتماعيّة و لا بأيّ تداوُل للسلطة بين المدنيّين وفق القواعد الأساسية للنظام الديمقراطيّ الحديث، الذي يُعتبر المخرج الوحيد من الأزمات التي تعيشها القارّة في جميع المجالات و الميادين، و ما نُشاهده اليوم في السودان لَدليل على سيطرة فكرة الانقلابات و الانقلابات المُضادّة في عقول جنيرالات الجيش الذين يسعوْن جاهدين إلى استمرار الأنظمة العسكريّة في سُدّة الحكم و منع إنشاء أي نظام ديمقراطي من أجل تخليص هذه البلدان من براثِن التخلُّف الذي عشّش فيها منذ عقود و لا يزال.
. فالشعوب الإفريقية هي ضحية هذه النزاعات العسكريّة التي أدّت و لازالت إلى مَقتل آلاف المدنيين العُزّل و تشريد الملايين منهم من أوطانهم.
عذراً التعليقات مغلقة