أمينة المريني
شاعرة من المغرب
يرى كارلوس زافون المفكر الاسباني أن العالم لن يفنى بسبب قنبلة نووية وإنما سيفنى بسبب التفاهة والابتذال وتحويل العالم إلى نكتة سخيفة ويذهب المفكر آلان دولو في كتابه نظام التفاهة إلى أنه في إطار غياب القيم والمبادئ تسعى مواقع التواصل.. إلى ترميز التافهين..فبإمكان وسيم فارغ أو جميلة بلهاء أن يفرضا نفسهما على المشاهدين..بهذا استطاع التافهون أن يحسموا المعركة..مناسبة هذا القول…سؤال ورد في جهوي السنة السادسة ابتدائي بفاس والجهة حين طُلب في مادة الفرنسية من الصغار و في موضوع إنشائي أن يضعوا سيرة ذاتية عن كوميدي مغمور اسمه (يسار) كان يقدم وصلات كوميدية على بعض القنوات الوطنية وفي بعض مواقع التواصل صحبة طفلة اسمها(سحليفة)..واضع السؤال حسب ما بدا لي قدم معطيات عن سيرة الكوميدي المذكور ليقوم التلاميذ بجمع شتاتها في ستة أسطر …الصورة كانت بالأبيض والأسود..أولا لا وضوح فيها …والأطفال أغلبهم لم يسمعوا عن هذا الشخص ولا عن سحليفته …لأن معظمهم مشغول بدروسه ممنوع من والديه من مشاهدة التلفاز أيام الدراسة، وأغلبهم ليس لديه هاتف …خرج كثير منهم متذمرين ، باكين ، وما توقعوا أن يجدوا أنفسهم أمام سحليفة..السلاحف ..فأسقط في أيديهم ..أتساءل هل مثل هذه الأسئلة مقصودة بدعوى الحداثة والانفتاح..ومخالفة المألوف؟أم أنه زمن انهيار القيم وترميز التافه والساقط والحشارة…؟ حين يصبح (النيبا) و(سحليفة ) و(الداودية) ..وهلم جرا ..مما يعتد به في التربية وصنع القيمة وضرب المثل الأعلى فعلى المجتمع السلام، وحين يجهل النشء رموزا كالمهدي المنجرة، وعلال الفاسي، وعالما كمنصف السلاوي، ورائدا فضائيا كمريم شديد ، ومخترعا كرشيد اليزمي…وشاعرا كالرباوي… فقد حق للبعض أن يتكالبوا على القصعة وأن يستأسدوا وأن يضعوا النابغين والرواد والأبطال في المؤخرة.بمنهجية تدميرية مقصودة…حتى تدك آخر معاقل القيم وتنهار صروح المبادئ والأخلاق ؟بعدها لن ينفعنا التباكي على المنظومة التربوية ، ولا رفع الصوت بالاستنكار ..ما دام من بأيديهم خيوط المجتمع يسيرون به نحو اللاقيمي واللامبدئي ..وسنشاطر إذن نيتشه رأيه في أن التفاهة هي التي تجني الأرباح في هذا الزمن !!!
وأي ربح يجنيه مجتمعنا إذا رسخنا في أذهان أطفالنا أمثال هذه النماذج الهشة!!! نهاية الأمر أدهشني أن أسمع أنه في نفس امتحان الجهة المذكورة طُرح على الصغار سؤال في الرياضيات ويتعلق بوضع رسم بياني لعدد الحاضرين في السهرة الغنائية التي أحياها سامي يوسف خلال مهرجان الموسيقى الروحية بفاس.
فبأي منطق تصور واضع السؤال أن هؤلاء الصغار ، وهم مقبلون على اختبار، قد حضروا الحفل المذكور؟أم أنه سؤال خالف تعرف؟ إن المجتمع الذي لا يلتفت إلى الأديب والمعلم والعالم والمقاوم والمخترع والطبيب والمهندس والعامل،.والصانع..وإلى كل بناة الأمة هو مجتمع سائر حتما إلى الانهيار..والله سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
فاس 7 تموز/ يوليو 2024
مقال خالص لصحيفة قريش – لندن
عذراً التعليقات مغلقة