الأديب الحبيب اعزيزي
” كلمني عنه ” الجزء الثالث- الحلقة 7
فكرة ، وإعداد وحوار : ميمون حرش
الكلام على الأديب المغربي الحبيب اعزيزي
الحبيب اعزيزي أديب مغربي،كتاباته رصينة، مغرم بكل ما هو “عجيب” ، مكرساً في ذلك قاعدة ” اقتلوا العادية”، عرفته عبر الفضاء الأزرق، وأصبح صديقاً عزيزاً.. أقرأ له ، وأنا من المعجبين بنصوصه، يدير ظهره للشهرة المزيفة ، يكره الأضواء، ويثيرك بهدوء عجيب، يتبدى في ملامح وجهه، لكنه يصبح كريح صاخبة حين يعانق أفكاره التي يدافع عنها باستماتة.
أعماله الأدبية:
1ـ ديوان شعري (رؤى بروكوست العجائبية)صادر عن دار بصمة بفاس 2022 ،
2ـ مجموعة قصصية عجائبية (عازار وكائنات فوق طبيعية أخرى) صادرة عن دار بصمة بفاس 2023،
الانشغالات الأدبية والثقافية:
- الاهتمام والاشتغال على الشعر العربي خصوصا قصيدة النثر،
- الاشتغال على القصة القصيرة والحكاية الشعبية. الأدب العجائبي..،
- انشغالات أخرى :حقوق الإنسان/العمل النقابي / العمل الجمعوي،
- نشر مقالات فكرية في مجلات عربية :جريدة الميادين السودانية لسان الحزب الشيوعي السوداني /جريدة النور السورية لسان الحزب الشيوعي السوري/ جريدة العربي الجديد. النهج الديمقراطي لسان حزب النهج الديمقراطي العمالي بالمغرب…إلخ.
- نشر قصائد شعرية وقصص قصيرة وترجمات في عدد من المنابر الورقية والإلكترونية : مجلة طنجة الأدبية (المغرب)/ مجلة كتب (مصر) مجلة (الصدى) العراقية / جريدة الاتحاد الاشتراكي / جريدة (قريش) لندن/ مجلة (كتابات) العراق/ جريدة (الموقع الأدبي) تونس..
الأديب الحبيب اعزيزي يبوح لنا، تابعونا في “كلمني عنه”- ج3 –ح 7
- موقف طريف حدث لك في الأسرة، أو المدرسة، أو الحياة بشكل عام،
في سنة 1982 بينما بدأت تجارة الملابس المستعملة تغزو المدينة، كنت قد نجحت في الابتدائي وعلي إذن الانتقال من البلدة القروية إلى المدينة للالتحاق بالسلك الاعدادي. ساعتها نحن القرويون لا نميز بين ملابس خاصة بالذكور وأخرى خاصة بالإناث، إلا في ماهو واضح ومتداول في القرى.
شتاء نفس العام، اشتريت ” جاكيت” صفراء من السوق الأسبوعي، طبعا من بائع الملابس المستعملة, كانت ال” جاكيت” من النوع الواقي من المطر، لونها أصفر واضح لا تترك قطرة ماء واحدة أن تتسرب إلى العظام الحاملة لسنين من سوء التغذية.
صبيحة أحد الأيام، بينما كنت أكتشف جدران مؤسستي الجديدة، لحظتها كان كل شيء جديدا بالنسبة لي : الوجوه، ممرات المؤسسة، اللوحات على الأسوار..إلخ . طبعا كنت مزهوا بال ” جاكيت الصفراء” حتى فاجأني صديقي أن هذه الجاكيت خاصة بالنساء وليس بالرجال! كان هدا الاخبار بمثابة رصاصة. غضبت غضبا شديدا، وطلبت منه تبريرا لادعائه المجاني. وفعلا أجاب بأن أزرار الجاكيت توجد على اليمين وليس على اليسار. ساعتئد لم أكن لأميز بين ( لعبة الأزرار) هده! فأنا بدوي صغير ولم يسبق أن كانت لي اختيارات كثيرة في قضية الملابس.
الجاكيت سلبت عقلي الصغير، قررت تحت إكراه الاعجاب بها والظرف المادي للأسرة أن أستمر في ارتدائها حتى لو كانت للفتيات.
حلت عطلة آخر الأسبوع، فنزلت للبلدة عائدا من أول أسبوع في المدينة. طيب، الجاكيت الصفراء كانت كل شيء في البلدة: اللون المختلف، مقاومة مياه المطر، ثم درجة الحرارة التي توفرها للجسد المنخور بسوء التغدية.
صبيحة الأحد ، ارتديت جاكيت النساء خاصتي ثم نزلنا أنا وأخي الصغير لبستان الخضر التي يسقيها الوالد من بئر كبير و واسع الفوهة. غير أن البئر عميق المياه: 9 أمتار من الماء بالضبط. اقتربت من الحافة ثم.. أووووب. سقطت في البئر.
هويت حتى لمست القاع، وفجأة أحسست أني أصعد بسلاسة كبيرة وسط مياه البئر نحو الأعلى. ومع أول جرعة هواء على سطح الماء، كانت المفاجأة: لقد انتفخت جاكيت النساء الصفراء وحملت جسدي الصغير للأعلى. عشرة دقائق، ثم ظهر حبل طويل بعده وجه أبي مبتسما:
- لقد أنقذتك الجاكيت.
- قلت لأبي.. إنها خاصة بالنساء!
- أجاب:
- – بل هي خاصة بالآبار!
لقد أنقدتني الجاكيت الصفراء التي زعم صديقي أنها خاصة بالنساء.
- الكتابة، حين تواتيك، كيف تُلبي نداءها.. هل من طقس معين،
لا أتبنى طقسا محددا في مسألة الكتابة. أكتب بالليل وبعد أن ينام الجميع، وأكتب وقت القيلولة ربما هي مجرد عادة ورثتها عن سنين خلت. لا تؤثر بالملموس في نصوصي الشعرية والقصصصية. كما لا يؤثر في النص الأدبي كوني من كتاب ” الأحاد والعطل”.أعتبر الادعاء بكون النص الأدبي يولد ناضجا أو ينضج في المخيلة بكل عناصره التي لا تحصى مجرد فكرة مزيفة.فعلاقتى بالابداع علاقة صراع متعبة وغير مرنة. أكتب بوعي نقدي ولا أرتاح لمجرد أفكار وعواطف قصصية أو شعرية . يحدث أن أعود إلى الكثير من النقاد والكثير من الكتب لمعالجة ملمح واحد في شخصية قصصية أو صورة شعرية، وفي بعض الأحيان أنسى نقط البداية. لذلك فمجموعة “عازار ” التي نشرتها سنة 2023 في الحقيقة عمرها أكثر من ربع قرن. كنت أشيخ حينها أو أنضج ، لست أدري . وكانت المجموعة القصصية تشيخ أوتنضج بجانبي. طيب ، غيرت في مسودتها الكثير وأعتقد الآن أنها ناضجة بالقوة والفعل، وأنها تنسجم مع الأطروحات الحداثية في أدب الفانتاستيك.
تأثرت بكتاب عالميين في كتابة القصة العجائبية، الروس والألمان منهم، بالخصوص ( قصة رجل الرمل للأماني إرنيست هوفمان) التي اعتبر النقاد ظهورها في فرنسا بعد ترجمتها بمثابة الانطلاقة الصحيحة للأدب العجائبي في المتن السردي الغربي عموما. كما تأثرت بحساسية الواقعية – السحرية لدى قصاصي أمريكا اللاتنية. وهذا دفعني إلى ركوب نوع من المغامرة : أعني محاولة التخصص في القصة العجائبية. ربما أجد في الأدب الواقعي طوطولجيا فجة (وهذا رأيي المتواضع ولا أعممه على التجربة الواقعية في المغرب) فأغلب التيمات القصصية تيمات متكررة كما لو كنا أمام عملية “إعادة تدوير أدبي” روتينية كبيرة واستهلاك متعاظم لنفس الموضوعات. لا ينجو منه غير القصاصين الذين قرأوا المتن القصصي المغربي من النشأة إلى الفترة المعاصرة. هذه أيضا حال الشعر وقصيدة النثر بالخصوص، بحيث لم يبق للشاعر مجال للتحرك والتجديد غير مجال الصور الشعرية. هذه الوضعيةربما هي التي دفعتني لأتبنى “المغامرة الفانتاستيكبة” في ديوان”رؤى بروكو ست العجائبية” أو في المجموعة القصصية “عازار وكائنات فوق – طبيعية أخرى”.
هل لدي سر خفي في تجربتي المتواضعة؟
بالنسبة للأسرارالكبرى التي يمكن أن تؤثر في إبداعاتي لا أعتقد. لكن في العلاقة مع صناعة الشخصية الفانتاستيكية وإنزالها إلى أرضيةالواقع، نعم:
– لدي سر مع شخصية عازار، فقد جعلته بطلا لإحدى الأقصوصات. فهو مات مشنوقا ، لكنه بقي عالقا بين عالم الأحياء وعالم الأموات. وعليه أن يعود لينتقم. بنزع ظلال الأحياء وسرقتها. المشكل أنني جعلت عازار ينزل من عالم الأموات إلى عالم الأحياء (عبارة عن قرية صغيرة ومعزولة) وذلك أثناء الليل، ونسيت أن لا وجود للظلال في فضاء مظلم ليلا.
عندما قرأت القصة على شاب لم يتجاوز 15 سنة. قال:
– كيف يمكن لهذا الوحش أن ينزع ظلال الناس وهو ينزل للقرية ليلا؟
وهنا انتبهت إلى أن القصة معيبة. ثم شرعت في تصحيح الوضع .
- ورطة، دُبرت لك عمداً، أو نسجتها الأيام لك، وكيف تخلصت منها؟،
ورطة لا علاقة لها بالكتابة والابداع. ففي أحد المدرجات بكلية الأدب عام 1988 وبينما نتلقى درسا من أستاذة الأدب الجاهلي،كنا ندرس بالضبط معلقة امرئ القيس. ولم أكن أعرف أن للأستاذة أخت شقيقة ، طالبة وتدرس معنا في نفس الفوج ،وهي التي تجلس ورائي مباشرة في المدرج. كنت وصديقي نتبادل الحديث حول الأساذة وليس حول القصيدة. قلت لصديقي:
ــــ الأستاذة جميلة جدا رغم أنها متقدمة في العمر. وأجمل ما تحتفظ به جيدها الأبيض.
كانت أخت الأستاذة قد نقلت لها حديثنا حرفا حرفا. في الحصة الثانية مباشرة، طلبت مني الأستاذة الوقوف داخل المدرج. ثم شرعت تحكي لكل الطلبة والطالبات ما قلته في شخصها بالنقطة والفاصلة. لم يحدث أن شعرت بحرج أكبر من هذا. وطبعا قاطعت دروسها لثلاثة أسابيع. ثم أن الأستاذة سألت عني بعد أن فهمت أني خجول جدا وأن ما صدر مني مجرد طيش. بحثت عني في ساحة الجامعة وطلبت مني مبتسمة:
ـ ولدي.. لا يجب عليك أن تقاطع أستاذتك جراء حدث عارض.. يجب أن أراك غدا وفي الطاولة الأولى..لقد سألت عنك وعرفت أنك طفل خلوق.. أنا أيضا وقعت في الكثير من الطيش حين كنت صغيرة.
تصالحت مع أستاذتي المحترمة. ثم حزمت لساني بين الأسنان، ولم أعد أطلقه سوى في الأكل.
4 – أغرب تعليق عن “إبداعك”، سمعته من أحدٍ وجهاً لوجه، أو قرأته مكتوباً.
ــــ أهديت مجموعة قصصية أصدرتها لأحد الأساتذة، وكان قد سمع أني أشتغل على أدب الفانتازيا. فرح الأستاذ كثيرا، وشكرني بما يليق بشخص مبدع. لكن أثناء نقاشنا القصير على هامش إحدى الندوات، اكتشفت من حديثه أنه يفهم من الفانتازيا ركوب الخيل. كان هذا اغرب تعليق على الأدب الفانتازي في العالم.
5- أمر تكشفه، لأول مرة، وتميط اللثام عنه لمحبيك..
سؤال صعب، لكن في مجال الابداع تعترضك أمور جديدة مرات ومرات. ومن الأمور التي أحب أن يعرفها المتلقي أن أحداث وشخصيات النص السردي مهما بلغت من الواقعية، فهي تنتمي للنص فقط، ولا تتماثل مع أي شخصية أو حدث في الواقع. إنها بتعبير واضح شخصيات من مداد وورق. ومن التعسف النظر إليها من زاوية واقعية، وإلا فقدت شعريتها الداخلية وفقدت إبداعيتها.
عذراً التعليقات مغلقة