سمير داود حنوش
هل دخلنا مرحلة إنتهاء التفاهمات والوئام بين الحكومة العراقية والفصائل المسلحة؟ وهل إنتهت مدة الصلاحية للعلاقة الجدلية بين حكومة محمد شياع السوداني وقوى الإطار التنسيقي التي تتآلف أغلبها من فصائل مسلحة تحمل السلاح؟.
ربما هو السؤال الأبرز الذي يطرحه المراقبون للشأن العراقي مع توارد الأخبار بدءاً من تباين المواقف بشأن ما يجري في غزّة مروراً بالوجود الأمريكي في العراق، حيث ترى تلك الفصائل أن لا سبيل سوى القوة لإخراج القوات الأمريكية من العراق، فيما ترى حكومة السوداني أن الحل يكمن بالطرق الدبلوماسية والتفاهمات لإخراج المحتل.
لا تخفي الفصائل المسلحة خيبتها من نتائج زيارة السوداني إلى واشنطن في نيسان/أبريل الماضي وإلقائه خطاباً ناعماً بالبيت الأبيض دون التطرق لقضية إنسحاب القوات الأمريكية من العراق والتي كانت تعوّل عليها تلك الفصائل كسبب من أسباب الهدنة التي أُعطيت للسوداني من أجل التفاوض مقابل وقف الهجمات على المصالح الأمريكية، لكن يبدو أن ذلك لم يحدث مما أثار إستياء وتصاعد الأصوات من هنا وهناك تطالب بإنهاء الهدنة التي حُدد موعدها أربعة شهور إنتهت مع بداية أغسطس.
معضلة الفصائل المسلحة أنها تريد القرار معصوماً بيدها دون تدخل حكومي وأن لاتتكرر تجربة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في جعل قرار الفصائل بيد الحكومة العراقية.
سيناريو مصطفى الكاظمي الذي وصل إلى حد قصف القصر الذي يتواجد به مع عائلته بالمُسيّرات، وتلك هي الرسالة التي تريد الفصائل المسلحة إيصالها إلى السوداني بعد اليقين أن الحكومة العراقية أخذت فرصتها للتفاوض مع الإدارة الأمريكية ولكنها فشلت في تحقيق أي تقدم خصوصاً مع الأنباء التي تؤكد بقاء القوات الأمريكية من خلال التصريحات المعلنة لقادتها وسياسييها.
رسالة الفصائل المسلحة التي طلبت من السوداني عدم التدخل في القرار “الفصائلي” في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة، مما يشير إلى إنقسام القرار العراقي في خطوته القادمة تجاه مايحدث بالشرق الأوسط.
القصف الأمريكي الذي طال جُرف الصخر في الثلاثين من تموز الماضي وأودى إلى خسائر مادية وبشرية جعل الأصوات تتعالى أكثر بضرورة الرد بعد أن بررت الفصائل إن القصف الأمريكي إستهدف معامل لتصنيع طائرات مُسيّرة تقوم بصناعتها هيئة التصنيع الحربي العراقية وتوزعها لمختلف صنوف القوات المسلحة العراقية لأغراض الرقابة الجوية والإستطلاع أو “مهمات إستثنائية”.
المفارقة في إعتراف وسائل إعلام إيرانية مقربة من الحرس الثوري الإيراني بوجود خبير فني من الحوثيين برتبة عميد يدعى “حسين شعبل” ضمن القتلى الذين أصابتهم الضربة الصاروخية الأمريكية في جُرف الصخر مما سيزيد مستوى التوقعات بأن القوات الأمريكية ستضاعف من حجم وكثافة الضربات الجوية على مواقع الفصائل المسلحة العراقية بعد أن تيقّنت أن معسكراتها تأوي عناوين وشخصيات تنتمي لمنظمات تعتبرها الإدارة الأمريكية وإسرائيل منظمات إرهابية.
التهدئة التي إنتهى مفعولها كان مع الحكومة العراقية وليس مع القوات الأمريكية كما تدعي ماكنة الفصائل الإعلامية، مما يزيد من حرج السوداني أمام التعهد الذي قطعه للأمريكان بوقف تلك الهجمات.
منظومة سياسية تتشابك فيها المصالح السياسية بالسلاح تلتبس المفاهيم وتختلط المعاني، وتلك هي نتائج الحكومات التي تجمع بين الأضداد.
ميزة الحكومات العراقية المتعاقبة إنها إعتادت على ترحيل الأزمات، فلا مشكلة السلاح خارج نطاق الدولة قد حُلّت، ولا مفهوم الحكومة الصريح من التواجد الأمريكي قد وجد تفسيراً منطقياً.
ستجد حكومة السوداني نفسها مضطرة أما بالتغاضي عن صواريخ ومُسيّرات الفصائل التي بدأت تعبر خارج الحدود والتي بدأت تُحشّد لإرسال أرتالها إلى الجنوب اللبناني أو إعادة سيناريو المواجهة كسلفه الكاظمي حين فشل في ذلك، وبكل الأحوال يبقى الشعب العراقي هو الخاسر الوحيد الذي يستنزف ذلك الفعل من حياته وأرزاقه وهو يعلم إن ثمن مأساته عظيمة.
عذراً التعليقات مغلقة