بقلم: المراقب السياسي
– واشنطن
أغرب اتفاق تطبيع يخص الخلافات والصراعات في المنطقة العربية وعموم الشرق الأوسط، هو ما تم في المصالحة السعودية -الإيرانية (اذار2023) التي رعتها الصين، الصديق المشترك للبلدين، وتوسّط بها العراق ايضاً.
الغرابة تأتي من انّ الجانبين لم يكشفا حتى اليوم عن السبب الحقيقي لصراعاتهما منذ عقود برغم ماهو معلن في الاعلام من احداث جرت منذ العام 2016، كما انهما لم يكشفا عن “الجديد المستجد” الذي أدى بهما الى ذلك ” التراضي ” الدراماتيكي السريع.
نفهم ان هناك قوة كبرى مهيمنة تأثرت من الصراع والحصار الذي فرضته السعودية وحلفاؤها على دولة قطر، لذلك كانت تلك المصالحة التي تبناها بقوة وشخصيا الشيخ تميم بن حمد امير قطر، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية.
وكانت النتائج السريعة في التسوية الخليجية مقبولة من الشعوب والدول كون الصراع في أصله لا يقوم على أسس عقائدية او مصيرية.
لكن التطبيع الإيراني السعودي مسألة مختلفة، لا نعلم عن جذورها برغم قلته أكثر مما نعلم عن أسباب النتيجة التي خرجت بها مفاوضات امتدت سنتين في رحاب الراعي الصيني.
بلا شك ان البلدان العربية والسعودية تحديدا تحتاج الى التطبيع مع إيران الدولة الأساسية في موازين الشرق الأوسط، لكن عناصر الاختلاف لا تزال أكبر من عوامل التوافق، لاسيما بعد ان اندلعت الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة والموقف المتباين فعليا من حركة حماس ومن ثم مجمل مسار الصراع. وكذلك الخلافات موجودة برغم تحجيمها بعد تطور التطبيع الخليجي مع إسرائيل والذي توجه انتوني بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة حين قال قبل أيام قليلة ان من الممكن أن يحدث التطبيع السعودي الاسرائيلي في خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس بايدن ، ولم يعترض الجانبان في الرياض أو تل ابيب. لكن إيران لا تستطيع ان تمضي في محاربة التطبيع ” الخليجي” الى ما لانهاية لأنها لا تريد ان تصطدم مع حليفها الاستراتيجي المتزن في الخليج وهو سلطنة عُمان، وكذلك شريكها في حقول الغاز دولة قطر.
كل ذلك يقود الى تساؤل عن المدى الزمني الذي يمكن ان يصمد فيه التطبيع السعودي مع إيران من دون ان ينهار، بالرغم من ان المؤشرات السعودية تدل على تمسك قوي باتفاق المصالحة، وكذلك لا تبدي ايران أي تذمر من سلوك سعودي حتى الآن.
الجوهر الحقيقي في الصراع الخفي لا يزال موجودا وكامنا ، ذلك ان هناك اختلافا جوهريا بين عقيدتين متناقضتين ليست كلتاهما دينية او مذهبية، ذلك ان العقيدة التي يتبناها الأمير محمد بن سلمان هي “سياسية خالصة” مجردة من التأثير الديني، تقوم على أساس تكوين “دولة جديدة ” بشكل مطلق في مبناها ومخرجاتها وهذا حتما ينعكس في سياساتها الخارجية مع ايران أو سواها، في حين نجد انّ ايران، برغم الوجهين الداخلي “ولاية الفقيه” والخارجي “سياسة الاعتدال والانفتاح”، لا تزال تعمل من خلال عقيدة المبنى السياسي الديني المذهبي الذي يتناقض في نهاية المطاف مع التوافقات النهائية.
وقد وجدنا انّ السعودية لم تعلق بكلمة واحدة رسميا او غير رسمي، على تغريدة مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، حين قال فيها، انّ جوهر الصراع الابدي الذي لانهاية له هو بين “الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية” ، فالسعودية بحسب تكوينها السياسي الجديد غير معنية بذلك” الصراع الحسيني اليزيدي”، ولن تكون طرفا فيه أينما وقع وليس على اجندتها الفكرية والأمنية اساساً. غير انّ السعودية عليها أن تدرك انّ تجاهلها ذلك المراد الأيديولوجي الإيراني الوارد في تغريدة خامنئي لا يعني عدم وجوده او عدم سريان فاعليته في الآليات الإيرانية السياسية والأمنية والنفوذية في عموم الشرق الأوسط او ان السعودية لن تتأثر بشظاياه، فالسعودية لن تستطيع أن ترحل من جغرافيا المنطقة المصيرية في ابسط تعبير. ولعلّ ذلك العامل الجغرافي السياسي كان له الأثر الكبير في التوجهات السعودية الجديدة، لاسيما بعد ان ضاقت عليها كماشة النفوذ الإيراني الميداني عبر الحوثيين في اليمن والمليشيات في العراق، وكان من ابلغ صور النفوذ والتأثير قصف المنشآت النفطية الاستراتيجية في شركة أرامكو السعودية، وانّ تكرار ذلك القصف وتركيزه، يعني عمليا تحويل السعودية الى دولة ” غير نفطية”.
هناك اتفاق مصالحة، هو تطبيع وليس تسوية نهائية، وفي الوقت ذاته هناك مساران فعليان في الادمغة وعلى الأرض.
.وتلك هي “الحقيقة” النهائية، يقبلُ بها مَن يريد، ويتجاهلها مَن يشاء.
عذراً التعليقات مغلقة