فن العمارة والدين .. الزخارف المبالغ فيها مسيحية واسلامية.. وكنيس اليهود خال من البهرجة والتماثيل

فن العمارة والدين .. الزخارف المبالغ فيها مسيحية واسلامية.. وكنيس اليهود خال من البهرجة والتماثيل

آخر تحديث : الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:58 صباحًا
roundcube 1 - قريش

 د. توفيق رفيق التونچي

 ارتباط البناء والعمارة بالدين والنصوص المقدسة قديم جدا، خاصة بناء المعابد ودور العبادة والمراقد ،وتدل على ذلك تصاميمها اينما وجدت وعبر التاريخ الانساني. 

بدءا نؤكد عدم وجود اي علاقة بين الانتماء الديني العقائدي و الطائفي من جهة…و القومي والاثني من جهة اخرى، اكرر هذا المبدأ دائما فقط للتذكير والتأكيد. فمَن ينتمي الى قومية او اثنية معينة ليس بالضرورة ان يكون انتماؤه الديني مطلقا، اي ينتمي جميع ابناء قومه الى دين معين واحد. ليس كل المسلمين من العرب بل في واقع الامر العرب منهم هم اقلية المسلمين خاصة ان الشعوب “المستعربة” من غير القحطانيين او العدنانيين منهم الاكثرية وهي شعوب لها لغاتها وثقافتها واعرافها المختلفة كليا مع العرب العاربة. اما الشعوب الحضارات العراقية القديمة من سومريين وبابليين واكدين واشوريين فقد كان لهم عقائدهم الخاصة بهم ولا توجد لتلك العقائد علاقة مع الديانات السماوية الثلاث الا ما ندر. وكون لغتهم من الارومة السامية لا تجعلهم عربا. لذا اذا اسلمنا بان التاريخ المكتوب والوارد الينا كله صحيحا. لان كل يوم يكتشف اثارا للسابقين يفند جميع معارفنا التاريخية ولا ريب ان اثار معظم الحضارات في الشرق لم يتم الكشف عنها وما تم كشفه ترجم بطريقة مبهمة وعلى طريقة ( كل يغني على ليلاه).

Screenshot 2024 09 05 at 11.31.46 - قريش

تجربة تركيا

 انظر مثلا الى تركيا لا تجد فيها اي اثر معماري للأتراك القادمين من اواسط اسيا لانّ تلك الاقوام كانوا من الرحل وكل ارضها مليئة بأثار حضارات امم ليس لهم اي ارتباط بالعنصر التركي.كالإغريقية والرومانية والحثية.

 نرى ان حتى اليهود جاءوا تاريخيا عن طريق السبي البابلي الى بلاد الرافدين ،اي انّ تواجدهم كان في بلاد الرافدين وعيلام كمنفيين ،ولم يتحولوا الى مواطني الرافدين بل عادوا بأدراجهم بعد سنوات المنفى الى بلادهم. بلادهم التي لم يتفق عليها الباحثون ان كان في اليمن ، الاردن ام في فلسطين. وهذا يشمل جميع ابناء الديانات السماوية وحتى البعض من العقائد الدينية الاخرى. الجدير بالذكر ان هناك قوميات تدعي انتماءها العرقي الى شعوب حضارات العراق القديم. لكنها من دين واحد اي المسيحية وهذا نجده في ايران، تركيا، العراق، سوريا ولبنان و رغم مرور اكثر من خمس دهور على تواجد تلك الاقوام في الشرق وزوالهم من الوجود مقارنة بنشوء الدين المسيحي قبل الفين عام ورغم ان الكثير من اثار تلك الامم ومدنهم قد اختفت واندثرت ولا اثر لهم ولمدنهم، اليوم. الكتابة بأبجدية معينة والحديث بلغة معينة وحمل ثقافة تلك اللغة لا يحول المرء الى احد ابناء ذلك القوم، الا تحولا يحمل فيه صفة ثقافية تعكس لغة تلك الشعوب ولا يكون ابدا اثنيا منتميا الى القوم الاصلي لابناء تلك اللغة. هناك مليارد ممن يتحدثون الانكليزية والانكليز أنفسهم اقلية وكذا بالنسبة للمتحدثين بلغات اخرى كالفرنسية والالمانية والاسبانية والعربية ولغات اخرى كثيرة.

نحن نتعلم لغات عدة في حياتنا، وربما نجهل تماما لغة اجدادنا. بل نرى بان جميع الاديان ودون اي استثناء تعددية الانتماء القومي. حتى تلك الديانات المغلقة كما هي عليها اليهودية حيث نرى ان هناك عدد كبير من الافارقة والأوربيين وطبعا من قارة اسيا ينتمون الى الديانة اليهودية وهؤلاء ليسوا من اثنية عرقية واحدة وكذا نرى ذلك بين ابناء جميع الاديان الاخرى. يتميز الدين المسيحي من بين الاديان السماوية بانها منفتحة على جميع الشعوب اذ نرى انتشار الرهبان والدعاة المبشرين في جميع انحاء الدنيا فهم متواجدون بين جميع الشعوب ويدعونهم الى الايمان بالمسيح مخلصا حاملين الانجيل يبنون كنائسهم ويتواصلون مع الناس بلغاتهم وحتى ترجم الانجيل الى جميع لغات البشر. 

هناك مثلا شعوب لا تعرف العربية ولا تفهمها ولكنهم مسلمون يؤدون طقوس العبادات بلغة القران الكريم ، اي العربية. لكننا نرى بان شعوب الحضارات القديمة لم تغير لغاتها رغم دخولها الاسلام كالشعوب ذي الاصول التركية، الفارسية، الهندية، الصينية، الكوردية، الافغانية، الباكستانية، الماليزية، الإندونيسية، الاريتيرية، الامازيغية وعشرات الشعوب الاخرى.

بقى ان نعلم بان المسيحيين من ابناء تلك الشعوب بقوا محافظين على لغاتهم لذا لا نجد مثل تركيا مسيحيا بل كل مسيحيي تركيا يعتبرون انفسهم من السريان النصارى المسيحيين ويتحدثون ويكتبون ويؤدون طقوسهم الدينية باللغة الارمنية او الارامية الشرقية وبجميع لهجاتها. الا ان شعوب دول شمال افريقيا رغم حضارتها وثقافتها القديمة والمتطورة ثقافيا وحضاريا في مصر وليبيا ودول المغرب واثيوبيا والصومال والسنغال واريتريا وجيبوتي والشعوب الافريقية الاخرى تبنت العربية كلغة وثقافة دينية وبعضها هجرت لغاتها الاصلية حيث نرى اثارا من مفردات لغاتهم في حديثهم حيث تداخلت مع كلمات العربية وانصهرت فيها رغم ان عاداتها وتقاليدها والكثير من مفردات لغاتها تعربت ودخلت الى العربية في لهجة ابناء تلك الشعوب وحتى ابقت على تسميات مدنها وقراها على ما كانت عليها قبل ١٤٠٠ عاما . هذا ما يخص الارتباط بين اصول الشعوب ولغاتها المكتسبة.

الجدير بالذكر بان الاديان تؤثر في نمط الحياة وسلوك البشر وحتى على البيئة المحيط والعمارة. شكل البناء عموما يعتمد تصميمه على وظيفته، نرى مثلا ان المواد التي استخدمت في عمارة دول الشرق الاوسط، الشام، كانت من الحجر في حين كانت شعوب الصحراء والسهول والاهوار تتأقلم مع البيئة المحيط والمكان منتقلا من مكان الى اخر حسب فصول السنة وتعيش في الصرائف و الخيام بالقرب من الابل والانعام او مصادر الرعي والصيد ولذلك لم تؤسس تجمعات بشرية مستقرة اي مدن ( الحضر) وبقت الالف السنين على بداوتها. الشعوب التي استخدم الحجر او الاجر المحروق( الطابوق) في العمارة والبناء تركت اثارا في دول المنطقة نرى اثار حضارة العراق القديم مثلا في نينوى بقت دهورا تحت التراب من بناء وتماثيل حجرية ورخامية ونرى مدنا باقية كما هي عليها مدينة الحضر د و البتراء. لكن مدن الجنوب العراقي اندثرت لعدم توفر الحجر الذي يقاوم الزمن. اما استخدام الطين مع لبنة التبن ( الطوب) في بناء البيوت او القصب في جنوب العراق والتي تنتشر كثيرا في قرى جنوب العراق الذي يقاوم الزمن فلم تبقى الكثير من اثار شعوبهم الا ما ندر في حين استخدم الحجر في البناء في قرى اقليم كوردستان وقاومت الزمن.

ان الحوار الحضاري بين تلك الشعوب الصحراوية حين التقت بالحضارات الرافيدينية والبيزنطية والمصرية القديمة اضافت الى البناء الحجري كمادة اساسية خاصة في الشام وزينت القصور والبنايات بالنقوش والزخارف والكتابات. لذا نرى اثار المدن المبنية بالحجر قائمة لحد اليوم في السعودية واردن وسوريا ولبنان ومصر. ثم نقل هندسة البناء الحجري البيزنطي الى اوربا عن طريق الاندلس. نحن نشاهد لحد اليوم اثر البناء البيزنطي الحجري في معظم مدن تركيا وسوريا ولبنان.

مثال ذلك في مساجد الدولة العثمانية والتي كبناء معماري وتصميم لا يختلف ويحاكي بناء الكنائس الا في موضع مكان المحراب الموجه الى القبلة باتجاه مكة المكرمة في جميع المساجد والجوامع ودور العبادة بالنسبة للمسلمين . ونوذج كنيسة القديسة صوفيا في استانبول شاهدة على نمط تلك الابنية. كذلك نرى ذلك جليا في الجامع الاموي في دمشق الذي بني في الاساس ككنيسة وحور الى جامع ابان العهد الاموي وكما نرى ان جميع مساجد الاندلس في العهد الاسلامي قد بنيت في اماكن وجود دور العبادة واستخدم عمارة خليط من البيزنطية الشرقية وعمارة مدن شمال افريقيا ومن الحجر وقد جلب الكثير من مواد البناء من الشام كذلك. حتى اننا نرى ان الفسيفساء المستخدم في البناء اصولها من الشام وانتشرت في البناء في مدن شمال افريقيا و الاندلس ولحد هذا اليوم. ونرى الطابع المغربي واضحا في تلك المساجد خاصة النقوش والسقوف الخشبية والماذنة ذو الاضلاع الاربعة للكنائس والتي كانت قد استنسخت من عمارة الكنائس للحاجة الى تعليق الاجراس في قمة تلك المنارات. الكنائس التي كانت تتواجد في شبه الجزيرة الايبيرية ابان وصول جحافل المسلمين هناك اثرت معماريتها في البناء الاسلامي. وكما ذكرت فالمرء يجد صعوبة في ايجاد اختلافات جذرية في عمارة بين دور العبادة بين الديانات السماوية الثلاثة رغم اني ارى تواضعا كبيرا في دور عبادة اليهود (الكنيس) والعمارة الموحدة المربعة، المكعبة وغياب الزخارف الا الكتابات العبرية كنصوص من التوراة وخالية تماما من اي تماثيل او رسوم دينية( ايقونات) تمثل البشر او اي من الاحياء كما نراها حاضرة في معظم الكنائس.

حيث نرى سواد كتابة النصوص باللغة العربية في مساجد المسلمين والعبرية في اماكن عبادة اليهود بينما نرى اللغة اللاتينية في الكنائس المسيحية. اي لا تحمل تلك الكتابات في واقع الامر اي رمزا قومي معين بل تبقى لغة الكتابة ها هنا مجرد رمزا دينيا كنص مقدس. كما ذكرت ان تلك الكتابات قد يكون رواد دور العبادة لا يتمكنون حتى من قرائتها وفهم مضامينها وتبقى بالنسبة لهم نصوص مقدسة. وتمثر الزخارف والكاشي المزخرف في حوض دول بحر قزوين وتتميز عمارتهم للمعابد بضخامتها و ببوابات عالية كبيرة وتسود اللون الازرق الفاتح (التركوز) على الالوان الاخرى. وهذا اللون بالذات كان له اهمية كبيرة حتى في اوربا حيث تستخرج من جبال افغانستان وتمثل اللون القومي لهم نراه جليا في عباءات النساء. تك الالوان استخدمت في مراقد الائمة في العراق كذلك. تستخدم مذلك في رسم اللوان عباءة السيدة مريم والدة سيدنا المسيح.  عليه الصلاة والسلام .

اختار مثلا الديانة الهندوسية ،كتابة تلك النصوص المقدسة في الديانة على اسطوانات كبيرة معدنية قابلة للدوران يمرر المتعبد يده عليها ليديرها وبذلك يكون قد ردد تلك الكتابة لان وكما نعلم بان الامية منتشرة بين تلك الشعوب. الجدير بالذكر ان للدين اهمية كبيرة في حياة الهندوس وتمثل جزء مهما من اسلوب حياتهم وتعاملهم مع الاخرين. لذا نرى بان الحركة القومية الهندية استغل ذلك في نشر افكار التقوقع العرقي والديني الهندوسي في دولة نفوسها اكثر من مليارد ويقطنها احد اكبر الجاليات الاسلامية في العالم. ويتشابه معابد البوذيين اينما تم بنائها وهي على شكل مخروطي كانه جرس احدى الكنائس بالمقلوب. فنجد تماثيل لبوذا في تلك المعابد وتختلف بناء المعابد الهندوسية حيث الزخارف وتماثيل الهتهم التعددية الكثيرة

Screenshot 2024 09 05 at 11.32.01 - قريش

. يعتمد بناء المساجد على القباب، وهي رغم انتشارها في الشرق الا اننا نرى وجودها في عصور متأخرة في دور العبادة في الغرب ولعل اشهرها قبة كاتدرائية القديس بطرس الفاتكان التي استنسخها الامريكان في عاصمتهم كما ان لقبة كنيسة فلورنسا الايطالية حكاية  اي كاتدرائية سانتا ماريا دل فيوري (بالإيطالية :Basilica di Santa Maria del Fiore) ، تعتبر كذلك إحدى أكبر الكاتدرائيات في العالم. لا وجود للقباب في معابد الرومان القدماء والاغريق. القباب بحد ذاته تبنى لعدم وجود الخشب الطويل والمقاوم في عمل سقوف البناء لان اشجار النخيل ليس مقاومة رغم ان احد اكبر سقوف العجيبة ومن روائع البناء نراه في العراق طاق كسرى يزدجرد في طيسفون المدائن عاصمة الامبراطورية الساسانية وتقع ٤٠ كم جنوب العاصمة بغداد وهي من بقايا قصره العامر . كذلك لوجود الخشب في الاندلس نرى غياب القباب في البناء الاندلسي ووجود السقوف الخشبية المزخرفة وبكتابات من الذكر الحكيم في قصور، جوامع ومساجدها كما في الجامع الاموي الكبير في قرطبة وقصر الحمراء. اعتمد البناء المغولي والتركي على الشكل المخروطي وما يسمى ب (الزقورة) في بناء دور العبادة والاضرحة وهناك نماذج لتلك البناء في العراق وتركيا وايران ودول حوض بحر قزوين ودول اخرى وربما ملوية سامراء الدائرية سلجوقية ومختلفة تماما من عمارة المنائر ومثيلها ربما نراه في جامع طولون في القاهرة. ملوية سامراء بناه الخليفة العباسي المتوكل في مدينة سر من راى حيث العاصمة العباسية بعد انتقالها من بغداد شمالا تقرب من اخوالهم السلاجقة التوركمان وينسب بناءها وتصميمها الى المعماري المسيحي (دليل بن يعقوب) شيد عام ٨٥٩ ميلادية والمنارة كما ذكرت شبيه بمنارة جامع احمد ابن طولون ، وهو ايضا من الاثار العثمانية في القاهرة. نرى هناك رمز تصوفي في البناء التركي في صلة البشر بالخالق روحيا الى الاعلى عن طريق الشكل الحلزوني للبناء وغياب الخوف المباشر بالخالق . في تقديري الملوية تحمل الكثير  من معاني العلو الى السماء ولها ارتباط بالعبادات في العقائد القديمة لقبائل المغولية من اواسط اسيا. لانها لا تشبه المنارة العربية الدائرية . هذا الشكل المخروطي في بناء دور العبادة منتشرة في الهند والصين وفيتنام وكوريا ومعظم دول شرق اسيا. 

الاندلس ٢٠٢٤

. اشارات:

” *التركوز” كلمة تركية متكونة من مقطعين ترك و اوز اي الاصل.

رابط مختصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com