في المرآة ..شكل آخر .. نظرة أخرى
سعد الدغمان
هي صورة ، لكنها لاتعكس نفس الملامح ،هي انعكاس للآخر في دواخلنا ،هي تجسيد للذي نريد أن نراه ( المخفي) من شخصياتنا، تعري دواخلنا ،وتطرح صوراً نظنها مغايرة ،لكنها حقيقة ما نحن عليه. من أين تأتت الفكرة ل (حبيب السامر) ليفضح خبايا الأنفس ، ليرسم صورة الحقيقة بماء الزئبق ( المرآة)، والسؤال هنا ملح ، أيهما الأصدق مانرى أم مايراه الآخرون من صور.
أورد السامر ذلك الجواب الضمني ( أنا شكل آخر لايشبهني)، يحاول أن يجر القارئ للتيه في اجواء القصيدة المشحونة بالتخالف والتضاد، إلا أن طريقته الفائقة في توظيف الصورة التي رسمها بشكل خارج عن المألوف ولم يعتدها القارئ وفق تصور مشحون بالدلالة ( في المرآة ،أنا، شكل آخر، لايشبهني،التحديق، إلي،لايشبهها) لكن معظم ماجاء به السامر من دلالة مبهمة ( في المرآة ، شكل آخر، التحديق، لايشبهها) هذا الإبهام اضفى مزيد من الجمالية على النص وعلى الصور التي شكلها السامر ليفاجأ القارئ بهذا النص المهول بمعانيه وتشكيله وما أحتواه من صور.
في المرآة
أنا شكل آخر لا يشبهني
تطيل المرآة التحديق إلي لا أشبهها
حين نمعن النظر في هذا الجزء من النص، تتقافز إلى أذهاننا ابعاداً مترامية من مساحات الأفكار ، نقف عندها لنميز أو نفرز ماذا أراد السامر من توصيف ( مصقولة) المعنى الظاهر يقصد فيه ( المرآة) ،لكن ثمة معان أخرى تطرأ على البال حين تركز في المفردات التي وظفها الشاعر ودلالاتها وفيما تمثله من استبدال لفظي أو حتى (حركي) ، ونتسائل هل هي (الحقيقة ،المدينة،الحياة) ، هل هي الأرض،أو الروح ، أم النفس وما تحمله من خلجات، أم تراها المرأة وما تمثله من تقلبات في حياة الرجل ( السامر أو أي رجل آخر من معشر الرجال) .
(أنها مصقولة) وهنا نتكلم عن المرآة ،أي أنها تعكس الصورة بشكل حقيقي لاشائبة عليه ، أو أنها تنقل صورة الشخص بتفاصيل وجهه نقاء ومشاعر وما أحتواه الوجه من تجاعيد وإن كان الرأس أشيب ،أم أصلع أو ما أحتوى من أوصاف ، لماذا دخلنا في تفصيل التوصيف ،لأن السامر أرادها موصوفة فدفعنا بشرح ما تعني ( مصقولة) التي وظفها في النص وأراد منها أن يلاعب المتلقي ويأخذه من يده نحو دروب التيه في النص.
الأغرب والذي يضفي الدهشة ،بل الحيرى على القارئ حين يتناول هذا البيت من نص السامر تتمثل في ( بلا أذرع) ، وهي تمثيل لصورة انعدام الحركة وتأصيل الفعل، فهي (مصقولة) لكنها (بلا أذرع) أي أن الفعل تم نلكن نفى عنها صفة الحركة،والسؤال هنا كيف تم الفعل دون حركة، هل هي قصدية ، أم حالمة ،أم من وحي الخيال، أم تراها واقعة فعلاً أي حقيقة تتمثل في ذاتية الحركة.
نص غريب فعلاً ، احتوى من الدهشة ما يظهره وكأن السامر يهزأ بالقدر ، ويحاول أخفاء ذلك التفسير عن القارئ حتى يكتشف طلاسم النص دون أن يفك حبيب السامر تلك الطلاسم، الغرائبية التي يكتب بها كثير من الشعراء تحتمل الإنطباعية ،ومنها تصوير المشهد الشعري ساعة الفعل ( تكريس الحبكة) على تأويل ما حدث، ليكون النص مرآة ناقلة لمجريات الحدث بشكله الفعلي الذي تمثله الحركة.
أنها مصقولة تماما
لكنها بلا اذرع
ربما قسى علينا السامر في هذه ، (مصقولة) تعبير عن السهولة عن البساطة بعيدا عن التعقيد ،أراد السامر أن يقول ( وجهة نظر) إن الحياة بقدر ماتحمله من مشاق وتعقيدات وتتطلب الركض والمعاناة، فهي بسيطة بقدر ما تشبه الماء ببساطته ،والمرآة وهي ( مصقولة) بشكل جميل يعكس للناظر الصورة التي هو عليها ببساطة ودون تعقيد.
أي نحن الذين نضفي على مجريات الحياة من تعقيد ما يجعلنا نتعكز على مختلف الأعذار التي تهبط الهمم ولا تشحذها ،فنراها ( بلا اذرع) فنعيش هم المعاناة ووهم عدم القدرة وتفاصيل التعقيد ، ومنها نخلق لأنفسنا صوراً غير محببة من التعقيدات والعلل.
الجمال هو الحياة بما فيها من زهو الألوان والصور، جمعها السامر في قوله ( مصقولة) ،وجاء ب ( تماما) للتأكيد و لثبات الصورة ، لكنه نفى فعل التأكيد بما جاء به من عدم القدرة مورداً ( بلا أذرع) كحالة جزم لفعل الحركة ، والحركة لا تتم إلا بأذرعها، ومن لا أذرع له فهو عاجز ، صورة شاملة للعجز القاتل والمدمر للإنسان تنهي كل فهل ( الصقال) الذي أراد منه السامر أن يورد الجمال الذي عليه الحياة بصوره المختلفة ،ولكن ليس بشكل لامنتهي ،بل إلى حدود معينة تعمل فيها الأذرع فعلها،وما كان بل أذرع ، فلا عزاء له.
شمولية النظرة التي جاء بها السامر في هذا البيت كرسها للدلالة على الحياة بشكلها العام،ومنح القارئ مساحة من لانهائية من التساؤل المفتوح على أفق المشهد ، اعتمد حبيب السامر على تشتيت الكلمات وتناثرها مستخدماً عنصر الزمن للتأثير على القارىء ، وهي لعبة ذكاء أراد منها المطلق في الزمن ليكون فضاء كلماته غير ساكن عبر تحريك المشهد باختلاف الرؤى وتجذر مفهموها عند المتلقي ( 1 ) .
غرفة…
مرآة تتوسطها، على حائط أملس،
تفضح، أم تكتم خيباتي لأنني عالق”.
يخط حبيب السامر مساحة الحدث بتأني حتى أنه يباعد بين الوصف والتوصيف ،فيأخذ مقاسات الصورة من بعد الحدث نفسه، فنرى أن الموصوف قد تجسد بوضوح في أبعاد صوره الشعرية، يتلاعب على الحقيقة بدراية فيأتيك بها كاملة حتى حين تظن أنك لامست أطرافها ،أحالك إلى لاشيء ( تفضح أم تكتم خيباتي) ،وأنت ،(أقصد القارئ) تبقى بين الحيرى
الصورة الشعرية التي يجسدها حبيب السامر في نصوصه قادرة على ايصال مضمون الفكرة المستوحاة من القصدية الدلالية التي يضمنها النص لتبدوا وكأنها رسمت عن دراية واتقان فعلي مثلها السامر بألفاظ دلالية تحمل في طياتها عمق الحق ودلالة المعنى. هي تجسيد للحبكة بصورة ناطقة قد أبالغ إن قلت عنها ( صورة مرئية) ذات دلالة واقعية ، هي فلسفة أخرى أنطوت عليها نصوص السامر فأبدع في التوصيف الدلالي الذي من خلاله جعل القارئ وكأنه يلمس الأشياء الدالة فتتعمق الفكرة ويتنامى الأثر وتسمو الصنعة الشعرية باكتمال أركان الصورة النص والتي تشكل ذات الدلالة والعمق الذي يأتي به السامر في قصيدته وكأنه يداخل فيها سحر الكلمة وجوهر المضمون وتأثيرات الصورة ممزوجة بنكهة موسيقى النص وألوان مايرسم من صور ،وتلك ميزة فلسفية تتسامى في نصه الذي يأخذ طريقه نحو الإبداع.
” يرسمُ السامر لوحاته بصدق وصفاء ذاتي ويعطيها إيقاعا” يزف به منارة الوجدان الإنساني في دواخله ، وقد ينتهي بلون يختلطُ مع التراكيب الجمالية ، أو أنه يبرز صورة مجسمة واضحة لواقعنا في ترنيمة متموجة كصخب البحر أو عاكسةٍ للنور كهدوء الشطآن ، فيظل بدراية شفيفة يسهب في رسم الحقيقة كما هي ، ويلج في ثنايا الحياة كأهز وجة حبٍ على أبواب العشق ويرنو كساحر أوشك على مسك الورقة الرابحة ، وينجو في فلك مترف دافيء بمعانيه ، فيضمن للوحته مزيجا” من ألوان مشاعر الحب أو المرارة والألم” ( 2 ) .
عمل حبيب السامر على تداخل الصور والمضامين في ثنايا النص ،وأفرد أبعاداً تصويرية مدعمة بمساحات وزوايا وصفية للغرفة التي تحتوي المرآة ، فجاء ب(الوسط والحائط) كدالة مكانية ، وثم كتب في البوح والكتمان تضادان يكمل بعضهما البعض خلق منهما صورة التناقض والترادف ، ثم آتى على التوصيف ( خيباتي) توصيف الحالة التي عليها المتكلم سواء الشاعر أو من كان المشهد على لسانه، فربما يكون السامر قد نقل عن لسان شخص أخر واصفاً (خيباته) ،ثم جاء بالتحديد ( لأنني) مقرون بالحال (عالق)، وهنا ربما تحتمل مفردة (عالق) الزمان أو المكان.
هذا التداخل يبين قدرة الشاعر على التحكم في مفردات النص ، وتقدير الصورة التكوينية أو التشخيصية للحدث عبر توظيف الدلالة الزمانية والمكانية، ومنها كما ذكرنا استطاع أن يرسم حدود نصه بدقة، كما تمكن من مزج الوصف والدلالة بقالب الشكل لتظهر الصورة مكتملة الأبعاد جزيلة الوصف رائعة في تكويناتها الموسيقية المرافقة للنص ودقيقة في تفسير الأسباب، لماذا (تفضح) لانني ( عالق).
وربما يقال أن تلك الصورة مبسطة ومستهلكة في النص الشعري وحتى في الأداء، نقول نعم ،ذلك لمن ينظر بفوقية ومن بعيد للنص الشعري ولايبحث عما وراء الكلمة من معنى قد يصل حد ( النظرة الفلسفية) لتوظيف الكلمة أو المصطلح ، أنا لا أقول أن حبيب السامر فيلسوف وله أراء فلسفية أو نظريات ،ولايدعي الرجل ذلك ،إلا أني ومن خلال نظرتي الخاصة للنص الشعري الذي يكتبه السامر أرى أن هناك ومضة فلسفية في تفسير نصوصه ،والفلسفة في الشعر ميدان فسيح وغني وفيه الكثير من شعر الحكمة والتبصر.
نلمح آثار أقدام ممحوة
توا
بفعل جنون الموج أو ربما.
“ثمة تصورات أخرى تلتقي فيها الشاعرية بالفلسفية منها الثنائية الضدية للوجود، والحتمية التي تعني في بعض معانيها كسرا منطقيا للأشياء، وذلك في بحث الفيلسوف عن سر جبروت الزوال والعدم وانعكاساته في سلوك العبث وتصور الاجدوي ، فالحتمية دون شك وفي ابسط تعريفاتها هي علاقة السبب بالنتيجة ، وقد قدمها الفيلسوف علي وفق منظور منطقه ليحل به إشكالية الحيرة إزاء الموت ، موت الفصول والاشياء والانسان في تصور خال من المرجعية الي نظرة الدين وتفسيره لها . ولذلك وجدنا صورتين فلسفيتين عميقتين احدهما صورة وتصوير لفعل الحتمية، في تصور تشاؤمي ، عدمي وهذا الذي فعله شوبنهاور ، ومن اثر فيهم من بعده ، او تفسيرها بحالة طبيعية واقعية يلتقي في تصورها الفيلسوف مع القدر الإلهي . وهنا قدمها الفيلسوف محاول في تصور فهم الزوال علي انه حالة طبيعية تمر بها لكائنات حيث تافل وتتلاشي من اجل ولادة جديدة و تحدد وتطور في هذا العالم” (3) .
وللسامر القدرة على التحكم بأدوات النص وبمجمل عناصر البناء الشعري والتشكيلي سواء على مستوى المفردات من ناحية أختيارها وتوظيفها أو استخدامها الحسي وتوظيفها بتوافق مع موسيقى النص وبناءه الصورة واستخدامات الصورة وقدرتها التعبيرية عن النص بشكل كامل ومافيه من حبكة وتصور وحتى بناء الصور الفلسفية في مضامين النص وتكوينات السرد والتناول الشعري.
“استطاع السامر التحكم بمفردات النص الشعري عبر التنقل مابين الممارسة الى الانضباط الذي تتحكم به أدوات الشعر الرصينة ، فالشعر هو نتاج الواقع ، وأن أبلغ الأدب هو الواقعي الذي يتماشى مع التغييرات الطارئة وليس المعزول عنها أو عن بنيته المحددة بأدوات لا يتجاوزها الى غيرها” ( 4 ) .
1-سعد الدغمان، حبيب السامر شمولية النظرة عبر مرآة الحياة،صحيفة كتابات،25-11-2015.
2-سعد الدغمان، مرجع سابق.
3-سعاد خليل، فلسفة الشعر،صحيفة رأي اليوم، 13-8-2013 .
4-ناظم عبد الوهاب المناصير،الشاعر حبيب السامر سموكلماته برؤى خلاقة في الإبداع،موقع المرسى نيوز، البصرة،21-jul – 22.
الدلالة والمكان
وفي جزء أخر يقول:
كم أنا قريب من أسراري المجنونة؟
وكم أنت قريب مني!
فانا أبحث عنك في الحلم
ربما أجدك في غفلة المطر”………*
على سياجِ مقبرة الانكليز
تتعانق
أَغصان الخرنوب
و في الطرِيقِ إلى مدرسة الرباط
يحشر التلاميذ
أَجسادهم بين القبور
التلميذ الهارب من الدرس الأول
يسرق زهرته الأولى من المقبرة
الحارس يقظ
يطلق صيحة ،
الخرنوب العالق بقمصانهم البيض
يرسم آثَار فَوضاهم خطوطا على أَجسادهم الغضة
يسرقهم النهار
و هم يتلذذون بقَطف الأَزهار……………**
حبيب السامر شمولية النظرة عبر مرآة الحياة
سعد الدغمان
أعتمد السامر أسلوب المشهد المرسوم عبر الكلمات الدالة على الأسماء والأشياء
رسم صوره عبر تساؤلات لانهاية لها وأوقف المتلقي حائرا على أيهما يجب
اعتمد حبيب السامر على تشتيت الكلمات وتناثرها مستخدماً عنصر الزمن للتأثير على القارىء ، وهي لعبة ذكاء أراد منها المطلق في الزمن ليكون فضاء كلماته غير ساكن عبر تحريك المشهد باختلاف الرؤى وتجذر مفهموها عند المتلقي ، مستخدماً الإيحاء بان الزمن من الممكن أن يتوقف لنعيد ترتيب أوراقه وكلماته حسب قواعد اللعبة التي يندرج أداءنا في خضمها.وهنا أعتمد السامر أسلوب المشهد المرسوم عبر الكلمات الدالة على الأسماء والأشياء ( جمل اسمية) أو اعتماد (شبه الجملة) ليعبر عنها عن الأفعال الدالة ، وهي جزئية لم نجدها عند غير السامر.
وهنا وهو يستخدم القلق معبراً عنه بهواجس الكلمة الدالة على ما يشعر به الشاعر من مكنون يتمثل بأوصاف عدة حسية كانت أم ملموسة ، وهي بالمحصلة تصف شعور الاغتراب الذي لمسه وعاشه الشاعر في معظم أبياته، ما يفسر تداخلات العنوان (الدهشة..لعبة أخرى) أي بما معناه أن كل ما يحيط بنا عبارة عن فصول متتابعة من لعبة مستمرة وإن اختلفت فصولها ،أو مسرحية أعدت دون تدخل منا لتفرض واقعها المؤلم الذي يمثل الاغتراب جزء كبيراً منها ، لنتماشى وتلك الفصول طائعين مرغمين ، وإن سجلنا بعض الاعتراضات.
الدهشة جاءت كصيغة مبني للمجهول في العنوان لتحيل القصيدة الى ما يشبه المبهم في تفسيراتها لأطراف اللعبة الدائرة ، وهي صفحة من صفحات الألعاب التي عناها السامر لفظياً ما يكرس وجودها عبر الجزء الثاني من العنوان (لعبة أخرى) أي أن هناك العديد من الألعاب التي نعيشها ، لكننا ربما لا نشعر بتفاصيلها أو أشواطها على الرغم من إننا ربما أبطالها أو المجسدين لحوادثها.استخدام الجمل الوصفية القصيرة مقابل الاسمية الدالة هي تعبير عن الوصفي ، وتكريس للحدث ، ودلالة للمعنى بشكل واضح.
استطاع السامر التحكم بمفردات النص الشعري عبر التنقل مابين الممارسة الى الانضباط الذي تتحكم به أدوات الشعر الرصينة ، فالشعر هو نتاج الواقع ، وأن أبلغ الأدب هو الواقعي الذي يتماشى مع التغييرات الطارئة وليس المعزول عنها أو عن بنيته المحددة بأدوات لا يتجاوزها الى غيرها.
تعمق السامر في الحياة وتفاصيلها ، وتعمق أيضا في الأحاسيس التي تجتاح الإنسان ، وذهب الى تعميق فكرة التساؤل عبر الدهشة التي تلفها الأسئلة ، وتقلب بين الشك والفكرة ،واليقين والصورة ، بين الدهشة والانفعال ، أراد حبيب السامر أن يكرس لفكرة التخيل عبر تساؤلات القصيدة التي تحمل استغراب في ثناياها مما يدور حواليه وحول الآخرين.
كما فَعَلَ النقاش حول العمر ومجرياته ليرسم صوره عبر تساؤلات لانهاية لها يقف على أعتابها المتلقي حائرا على أيهما يجب ، وأن يضع حداً أو نهاية لفضول تلك الأسئلة التي تدهش أكثر مما تحرر فهماً لواقع لم نعد نفهمه أو يجسد لنا حلاً. ونقتطف أبياتاً من قصيدة ( بوح في لجة الكلام ) يقول فيها:
نلمح آثار أقدام ممحوة
توا
بفعل جنون الموج أو ربما.
وفي جزء أخر يقول:
كم أنا قريب من أسراري المجنونة؟
وكم أنت قريب مني!
فانا أبحث عنك في الحلم
ربما أجدك في غفلة المطر”.
وما بين الماضي وأثاره وتراكماته ، وبين العشق واللوعة تنقل السامر ليضفي فناً رائعاً عبر كلماته التي بينت انه يريد إيصال مفهوم الغربة التي يناقشها حتى مع نفسه ، حين يجسد ذلك في ( ولا على المرآة حرج) :
غرفة…
مرآة تتوسطها، على حائط أملس،
تفضح، أم تكتم خيباتي لأنني عالق”.
دائما ما تكون معانيه مليئة وكلماته دالة ، وتلاحظ في ثنايا كلماته التي يستخدمها بتجرد قد شكلت بأبعاد مدروسة تدخل في ضمنها مفاهيم روحية وأخرى تحمل أبعادا من الزهد . هو يجنح الى الوضوح أكثر من غيره ، وهنا نسجل انه نهج نهجاً واقعياً بعيداً عن لغة الخيال والأدب الوصفي ، أي أن السامر ولج بحور الواقعية وأجاد فيها .
فقد ميزت كلماته وضوحاً في الوصف الذي يصل حد الإقناع أو الوضوح حين يعرض تأسيه ولوعته مقابل تمنع من يحب فيقول :
تدخر رفرفتها ليوم آخر
لم تك واضحا مثلي لتقاوم تكسر الأقاويل
وتطفو هادئا على جسد الهواء
لا وجه يشبه ظلك
هل أدركت أنك أسوأ مما ينبغي
أيها الهامس حين يشتعل الكلام”
الذات هي ما تعكس سيرة الإنسان ، شاعراً كان أم فنان ، والوصفي لا يخرج من نطاق الواقع ، وتجربة الحياة هي مرآة تعكس شمولية النظرة لكل مفاصل الحياة ومنها الشعر، والذي لولاه ما كان لنا هذا الإرث الذي يخلد لفترات وللذوات وقدرات وأشياء وأماكن أفل نجمها ونجومهم ، ولتباعدت الشقة بين أطراف الحياة ناسها وبنائها وشخوصها.
ومن هذا أراد السامر أن يبقى مع ذاته ليعكس لنا كل ذلك ، ولا يبتعد وليرسم صورته وفق ما أراد دون رتوش أو بهرجة ، فكان أن جسد ذلك كله في ( شذرات) حين قال:
ليطبطب عليها مواسيا
يأخذني مرة ظلي نحو النهر وأخرى الى السرير
يرقد قبلي لكن الوردة
تموت مثل سنواتنا الخجولة
ليسرقنا العمر في “ليل التنومة
مؤكدا ” يسرقنا الليل ونحن نحتفي بقمر يتلصص
لا وقت للنعاس”.
وللشاعر حبيب السامر أربع مجموعات شعرية مطبوعة، الأولى “مرايا الحب مرايا النار” عام 2001 والثانية “حضور متأخر جداً” عام 2005 والثالثة “رماد الأسئلة” بطبعتين الأولى عام 2008 والثانية عام 2013 والرابعة “أصابع المطر” عام 2012. وله تحت الطبع مجموعة شعرية (شهرزاد تخرج من عزلته) .
ومن جميل ما كتب الشاعر حبيب السامر اخترنا لكم ( عصا الخرنوب)
عصا الخرنوب
(1)
على سياجِ مقبرة الانكليز
تتعانق
أَغصان الخرنوب
و في الطرِيقِ إلى مدرسة الرباط
يحشر التلاميذ
أَجسادهم بين القبور
التلميذ الهارب من الدرس الأول
يسرق زهرته الأولى من المقبرة
الحارس يقظ
يطلق صيحة ،
الخرنوب العالق بقمصانهم البيض
يرسم آثَار فَوضاهم خطوطا على أَجسادهم الغضة
يسرقهم النهار
و هم يتلذذون بقَطف الأَزهار
(2 )
مخيف هو ليل المقبرة
و في الصف هم غائبون
بِعصاه الغليظة
المعلم يتوعد
المراقب
بحروف كبيرة يكتب أَسماء الغائبين
يبدأَ المعلم الدرس
تلاميذ المقبرة غائبون
تتكرر الصورة ، آثَار الخرنوب
شوك الخرنوب الناتئ
يعلق ، ينغرز
رماد الأسئلة
شعر : حبيب السامر
مطرٌ يبللُ قاماتنا
1
في المرآة
أنا شكل آخر
لا يشبهني
تطيل المرآة التحديق إلي
لا أشبهها
إنها مصقولة تماماً
لكنها بلا أذرع
2
بخجله المعتاد
مازح الندى
شفاه الورد
3
كم ستمكث في السماء
كم ستمكث
أيها القمر؟
4
من عرفتهن
ما تركن لي شيئاً
5
يا صيوفي البيض
مللت زرقتك
6
أتمهل قارات وجعي
وعمري الآن
خمسون خريفاً
7
تفاحة
يقضم ساقيها المطر
متى تؤوب
لهذه الشجرة ؟
8
الوعول
تحرث مدني
سأدخر بعض تراب
9
قيدك أيها النهر
هذا الجسر
10
سأحصي الأوراق المتساقطة
فجر هذا الخريف
و ما يتبقى موتي
11
فوق راحتي
انشطرت غيمة
12
المح الأفق
في ذاك الفضاء
كوسادة لاستراحة الشمس
13
موج كالحرير
يقشر زبد النهر
أقدامنا باردة في أقاصي السواحل
تترك ملامحها
معبأة ببقايا عطر
في غروب شحيح
14
كم يليق بنا
خريفنا المتكرر
15
البدائي
دفن الثلج في ملامح الخييبة
16
أنثاه
لا تحلم إلا بذكر الأفق
17
على مراياك
جففي وجهي
18
ينبغي أن أعيش
في رماد الآلهة
كم ينبغي ؟
19
برهان لشاخص مغادر
هو الظل
20
أنا أم أنا
من ينتظر الآخر ؟
21
على صمغ أشيائي
يداك مكورتان
22
على حبل الزمن
علقنا مصائرنا
23
السكين
برهانه الجرح
24
أنت أمامي
يكفي
لا تحلق عالياً
25
ما لهذه الصبيرة
تشكو اللهاث
يا للعجب !
26
رغم غيابنا المتكرر
والمطر يبلل قاماتنا
27
بإحمرار وجه الورق
يولد الخجل
حارس آخر الليل
أخفى الحارس نعاسه
ألقى بالظلمة ،
خارج سياج مراياه
بأصابع الصمت
يبارز ظل الطواحين
ثوى ،
يرنو إلى
إنكسار الليل
في زوايا تجاعيده المعتمة
حدقات صفر ،
تتطاير
فوق قامات السنابل المنحنية
تشدها الريح
إلى ومضة من فنار
أمواجك
أتباعك
أوثقوا التاج
وأنت :
تهيئ ناراً لبريد آخر الليل
للغابة الماثلة
في عين المدار
سترقد في مكابدات صنائعك الواهنة
ما جدواك ؟
أيها المتعثر بالأخطاء
إن الضيف ،
قاد ظله نحوك
واختفى ،
تحت إمثولاته
وهن انكسار
كم مرت
على أحجارك
خيول العتمة
و أنت ممتلىء
تمازح مسبحة
تصافح ظلمة
والحارس لا يزال
يقرص نعاسه
بالدخان والسعال
أخذته اللحظة
بلل تلويحاته
بندى إنتظار
إستقى الدخان
نحوك قادني الدخان
وبقايا سعال
هيأت لأجلك
خصيب الكلام
شدنا الليل
بسموات مقفلة
فمضينا معا
بؤبؤات ترمق
شوارد النهار
طيبـــون
كانوا
قرب الضفاف
يغزلون قصب الشطوط
السمك الفضي
يأكل حافات الطين
بممالك هرمة
يأتلفون
صبوتهم تضللها سنبلة
يرتلون طفولات الأرق
بمخاض
ينضج مرتبكاً
كالصخور
تتكسر عليها ينابيعه
كالثقوب
تارة تؤي الذئاب
وأخرى
تمهر عرائس الورد
قهوتهم
دمع العيــــــــــن
صبار
لا يعشق الماء
طيعـــــــــــــــــــون
سيقان آس
تصهل كالفراغ
تخبز مساءا تهم باللوعة
* * *
نبوءاتهم
لا تجف
مثل سمرة الرغيف الأول
هيأوا من وقت
وأنضجوا خباز العمر
فيما السمك الفضي
يغادر حافات الطين
يستنشق هواء شباك الصيادين
* * *
الأرق
إستبدل لوحته الأبدية
بعرائش الشرفات
وأنت
على كفيك
ينمو وقع المطر
تنتظر قهوتهم
على رصيف
كان هناك
المجنون ثانية
أنت
ثانية،
ثالثة…..وأخرى
قدماك واهنتان
تقودان خطاك
نحوك
أو ربما
تتباعد عنهما
ذبابة
إمتصت رحيق أسمالك
تفتش
عن مخلفات القطط
في قمامات الظهيرة
تصارح نفسك
بحكايات مبتورة
المدينة
تواً هدأت
يا صديق اليوكالبتوسات
وأخاديد السواقي
تحتذي جلدك
عيناك ترمقان الضوء
في أعلى الدار
تحلم،
تحط على شرفة الكلمات
النافذتان مزهرتان
الجميلة،
في فراشها الطري
لائذة
بندى الحدائق
والقمر الوضاء الوسيع
تأمل حلمه
حاول أن يقفز
في المرايا
تعثر بأسماله
وبقايا نباح كلب
تعالى صوته:
– اخلدوا للنوم المضجر
أيها المجانين
النهار لن يطلع غدا
المذيعة الجديدة
أليفة كانت
تخطف سحر
الزئبق
بصوتها المائي
تتباهى
ببياض زندها
والقطيفة
ونحن تتمالكنا
الرجفات
* * *
مثل عصفور المطر
تحط
على أغشية
الفجر الأول
تفرش
ضحكتها على النافذة
تقذفنا بالجمرات
تشفق على سلالتنا المنكوبة
لتزيح الثلج عن رؤوسنا
كانت ترمقنا
نحن الغرباء
تلهج بخيبتنا
لا أحد
ينهض الآن
سوى دخان
تدجن أوجاعنا
للنشرة القادمة
تحــولات المهامس
1
إجتذب القهوة عنوة
وراح يحاور الجالس
على أريكة قلقة
قال القادم توا …
ـ لقد بردت قهوتك
وأنت تتأمل السماء الفسيحة
عبر فضاء مغلق
2
اقترب من أذنيه
قليلاً
وراح يصغي بقسوة
لأول الأخبار
3
نام الصيف كله
ليصحو
على قرقعة الرعد
أفاق…
يئن ,ينشج
يهمس في شجاعته
يتفجر وحشة
ليرمم يأسه برصاصة
4
برر شجاعته
لينتظر
وسط حشد من الفراغ
بعثره الدخان
نخزته الغمائم
فتذرع باليقين
الداكيــر*
إلى …. أبي احتفاءً به
تتمرأى الهياكل
الصدأ
إنتشل وجه الحديد
مــثل قـــوارير شائخـــة
تعلن
تهجيـــن اليبـــاب
بلزوجة الأصياف
– وحملنا الزاد
الداكير – يا أبي –
تنوس
في صدغيه الفصول
من يحمل مطــرقتك الآن ؟
قالـــتها الشطـــآن
ونسجت جثة المدى
الطرق العتيقة
نحو المسفن
مثل الأفعى
الأشجار حانية
على – ماء الحِب –
– صيوان* في دوامة
خبأ ضحكته
الصفائح ….
يا أبي
طوعتها ….. رصفتها …
صيرتها مركباً
بأجنحة الصباح
كنا نمرح
بطواف الطفولة
في جــرار مـثقوبـــة
يسكب الزمن سنواته
ثقيل –هو التامي* – يا أبي
قالها كريم*
معذرة
الأسكلة باقية
الكرين مد ذراعه
في الفضاء
كنــا نـــصغي
للمطرقـــة
تصفع وجه الحديد
أشياؤك في رئتــي
مــوجة من حنيــن
ناصر ، حســـن اللحام *،
أصدقاء المركب القديم
الداكير يا أبي
مطحنة المعدن
تخلف هياكلاً عائمة
تتمرأى
يحتفي بها الماء
دعنا نلمس، نقبل
بدلتك
نعلقها شراعاً
نبحر بها أنىّ نشاء
——–
· الداكير : منطقة بصرية تعنى بصناعة السفن
· حسن ، صيوان ، ناصر : أصدقاء أبي
· كريم : شقيق الشاعر
· التامي : آلة مساعدة تستخدم في أعمالهم
أيها الرأس ، حتماً سيهنئك الغراب
1
أيها الرأس
بجسدي
الدرع إحتمى
الوردة تزاحمني
تبتغي عطرها
وأنا مثقل بالحروب
بطيئة ..
حمائمي تغادر محاجرها
فأغدو..
سحابة متدلية
بعناقيد السماء
لم تعر عطرها
وسط انثيالات التبجيل
2
أيها الرأس
أبحث عنك ، … بجلوك كثيرا
ونحن نتساءل ، من سيفيق في الخط الأخير ؟!
فورانات الساعة
تهب إفقها المعطل أسى
لا تلمس ضبابها
بأكف صنوبرية
صرختي ،
مأخوذة بالسراط
الخافقات لم تعطِ للنذر نهاراتها
لتحاور هفواتي
كالضغائن
بأجنحة خاملة
3
أيها الرأس
بك إنبهرت الدنيا
وأنت القابع ، ألقانع فوق جسدي
لم يكن العطب
في سلالات الزحمة
كاللذة دونما خافق
وأغدو..
زهوي بلون الفضة
وأساي مغلول حد الوجع
4
أيها الرأس
أنت المترنح فوق رقبتي
بعينين مفقوءتين
وأذنين مثقوبتين
وفم أخرس
أرتق بهجتك بالقرنفل
لتفق على مجد
يحسدك عليه الغراب
حتماً ..
سيهنئك الغراب
ثمـــرة طريـــــة
المقبل من القمر
ثمرة طرية
تداعب فم أنثى
تمازح عناقيد الهواء
كشعاع
أختلس انحناءة الأفق
فوق وجهك
كم تحيرت فيك
أستدل بإرتعاشة خطاك
يبهرني اللمح
بعيداً في الزحام
تمضين بي
أصيـــــــــــح
خذي هذا القلب
اتركي لي شمعة آفلة
لأنصت إلى حفيف غابتك
غيمتك
تلاطف هذا الجسد
كوسادة لإستراحة الغريب
بقاياك تحوم حولي
عطرك
اتشبث بالمكان
كم ينبغي لي
لأصلك ؟
وأنت كعادتك
الغموض يعتريك
هذا أنا
يا سيدة الجسد البارد
أرقبك من نافذة هرمة
أصغي إلى شفرات الموج
جذلة
تنفرط قربي
إرتعاشة رغبة
وأنت
أنت
تكتنزين بقايا رذاذ
هل أصلك ؟
و شهيقي يكاد أن ينتهي
يا سيدة الجسد البارد
فـــــراغ الأسئلــــة
1
هكذا دائماً ……
أجد اللحظة مغسولة بالرذاذ
كتويجات أذرع الليــل
تناشد غصتي ………
تحاصرنـــــي
فلوات التقمص
أتوجس ،
اخضرار المسافة المحنطة بالدمع والفيروز
2
تجذبني مراياك
أقواساً ،
أشرعة ،
في فجر الحزن السادر بالرمل
من أقماره يسيل
غبار الظــل
أكان البوق امتدادا لجهات الروح ؟
أزميل الزمن ،
يرمم
شيخوخة الشمس
وكوة الأجساد
3
النبوءات……سلاحف الزمن
وتشبث المزامير ،
عشبة القيامة
4
تخوم ذاكرتي
تحاور ما تبقى
لساحات جدب
رماد السطو
5
من جرف أحلامي
خذي كل أشيائي
حد العمق
أجل كل شيء
لأنجو
6
ألواني المستورة
تحجب عنك المساء ،
الأضاحي
أيقنت
الأصفاد لا تجيد اللوذ
7
أنا أخر المدمنيين
الذين جادوا بأعواد ثقابهم
في العواصف …
ليطفئوا الرئات
بسيل من سخام
8
اعتمرت قامتي
دهاني ،
سبات الأرقام
في مخابئ الإفتراس
9
الكون في نعاس دائم
إسرافيل
يرمم نواقيس الوقت
على حبل المطر
اعلق غيماتي
أيها الظمــأ
أدرك لحظاتي
بفراغ الأسئلة
بلــورات العمـر
لا ترسم خطاً واحداً
على ملامح الــورق
لأنه حتماً
سيبحث عن
خطوط أخرى
ليشكل
لوناً هندسياً
قد يتوازى ،
أو يلتقي ،
أو ربما
يظل وحيداً … مثلي …
2
أعيديني ،
لسواحل شفاهك
كم هو صعب التمني
سأزيح عنك وسائد الكهولة
3
عكاز شموسنا
قادتنا إلى منفى الفراشات
ومشاجب الأسى
في لحظة مشاكسة
فقدنا وحشتنا
كم أحتاج لزمن أجمع شعرك ،
أصصاً لشرفاتنا
ووروداً ……..
بلا أجفان
4
لا تكتب حرفاً , في المرآة
لأنه حتماً …..
سيبحث عن حرف
أو حروف
ليكوّن كلمة دالة
أو يظل وحيداً … مثلي
5
يدك تحاصرني
تغسل عيني بالظمأ
وبقايا خثرة القمر
يدك …….
لا تدعها وحدها
لأنها حتما ستلتقي بيد أخرى
تصافحها …….
في بلورات العمر
زهـــرة النســاء
المراسي القديمة ؛
مع الموج
تمارس لعبتها
و تفصح عن صيد؛
النوارس
تنسلخ من أعماق مويجاته
المح زهرة النساء
منسية على الساحل
أوهنها الصيادون
كم حاولوا بنبالهم
أن يسقطوا القمر
وتفصح عن حفيف مؤجل
يبدؤها أحدهم
يرتعد الآخر
يخبا أسماءنا
في بياضات النجوم
إرتعاشاتها الأولى
مثل الدفق
في مزاقته
أسلمني
إغماءة
ينسحق في هفيفها
أفقد انسلاخ الكلمة
من جوف منتفخ
يتنفس سواد الأشياء
بانية
فلتعد:
بي نحو مرساي القدم
أيها الموت
مراثــــــــي البنفســـج
اليد الملوحة
من خلل الموج ..
لي
النساء المعللات حزنهن
بالاشتعال
في الدروب
هن لي
يا للجدوى
قالت إحداهن
الذاوي بين حتوفنا
مثل يومنا الأبيض
غادرتنا عنوة
المبتورة شمسنا
ضد البدء تبدأ
مع النهاية تنتهي
دوامتها
تأففت
يلاحقني ظل الضوء
يدق بابي
التمست
بلهفة , أشباحي
وسط طلعات
ظلامية
الأرجوان يفصلها
مرة
الشبح المحاور
خطوطه العابسة
رجفة ملأتني
هامسة الإشارات
عاودت الطلوع
مثل العطر الذاوي
انتشرت
الرعشة انتابتني
تتلمس أشيائي
تتحرك
تفزعني
المشتعلات عيوني
كنت أخمن
ـ من يكون هذا
أبدا
ربما رؤيا
يا للسماء
الزنبقة اخترقها
الشحوب
اليباب
قلت :
ـ أين المراثى
لتطل على اشلائى
رخاوات الالتماس
خيط الحلم امسك بي
وبكيت فيئ
بالندى تسترين عريك أيتها الشمس
* أ تتمرد
على الجبل
أيها السفح؟!
· من
يستوعب
زهوي الفاقع
ألاك
· ياغيومنا
أجنحة الطير
تبعثر قطنك
· المآذن
مرايا التنبيه
لصوتك الخافت
· بالندى
تسترين عريك
أيتها الشمس
* مهما يتسع البحر
هناك الرمل
· سألعق لساني
وأبحث عن عيني
بعيني
· المصابيح
تنتحر
حين يباغتها
الصباح
· دائماً
مواقيتك خاطئة
أدركت الآن
انك
بلا عقارب
· الهواء
الهواء
الهواء
لكني بلا رئة
· عطرك
مثل النقطة
تغير
معاني الكلمات
· طبعك
هادئ
كالصفيح
· على الرصيف
نتقاسم
جنوننا
· وحده
الفراغ
إستوعبني
· حين نجوع
نهرس
أسناننا
· نائية
تزاحمك اللحظة
على ياقوتتي
تساؤلات ليلة حلم
في ليلة اللؤلؤ الثلجي
إستدرجني الحلم
أطعمته الرقاد
اللحظة الهاربة
من إغواءات الرغبة
تنأى ،
تنوس ،
إرتجاجات البياض
في أفق متدلٍ
دونما أجنحة ،
يمهلني ،
خلاصاته
يضيئني ،
يشفني ،
يلبس شفرات الرماد
أُخبيء ،
الخيبة في قوارير السواد
آه ،
مسالكها رهيفة
تخفق
كالصخرة ،
ملكوتها استلقاء الندم
على أسرة الصدأ
أتمرأى ،
في أسمال الرعشة
– ما الذي يطرق نافذة الفراغ ؟
– المطر! !
– طاحونة الذبول!!
– انكفاء الشمس!!
– الهتك!
أقبية نسيجها
خاصرة الرطوبة
أسلمني،
في الباب المؤصد
ظلك,
تاركاً مناديله
مبللة
بطيف النرجس
ومغفرة الحناء
هنا ، قلادة الوقت
إفترشنا عشبة الموج
عبأنا مقالع النهار
برائحة السكون
-أيتها العصافير الحبيسة
في سرادق الغيم
ودعي أرفيوس
في عليات مروجك
صنائعك
هفواتي
عزلتي
ألمح آثار حمائمي
متهافتة ،
اليلكات ،
تستلقي على ثلج جسدك
البلوري
يحتقن الزمن
باكتساء الضوء
يغسل عطر الرغبة
يمهلني ،
آه ،
لماذا تغويني ظلامات شعرك
تبهرني
اللحظة ،
اسبقها
وكان الحلم قد استدرجني
الأصدقاء
مرة تلمست أصابعي
وبدأت أعدُّها
فرصة مؤاتية كي أحصي عدد أصدقائي
فكان أحدهم يتكرر أكثر من مرة
وأنا أعدهم
وأكرر العدَّ
يتكرّر
لماذا أنت أكثر من واحد
على مقدمات أصابعي؟ يتجفّف الحلم
والمطر النازل على هامات أصابعي
يغسل أحد الأصدقاء.
الداكيــر*
إلى …. أبي في غيابه المتكرر
حبيب السامر
تتمرأى الهياكل..
الصدأ
انْتشلَ وجه الحديد.
مــثل قـــوارير شائخـــة،
تعلن
تهجيـــن اليبـــاب.
بلزوجة الأصياف
– وحملنا الزاد
الداكير – يا أبي –
تنوس
في صدغيه الفصول،
من يحمل مطــرقتك الآن ؟
قالـــتها الشطـــآن،
ونسجت جثة المدى.
الطرق العتيقة
نحو المسفن،
مثل الأفعى
الأشجار حانية،
على – ماء الحِب –
– صيوان* في دوامة
خبأ ضحكته
الصفائح ….
يا أبي
طوعتها ….. رصفتها …
صيرتها مركباً
بأجنحة الصباح،
كنا نمرح
بطواف الطفولة.
في جــرار مـثقوبـــة
يسكب الزمن سنواته
ثقيل – هو التامي* – يا أبي
قالها كريم*
معذرة
الإسكلة باقية
الكرين مد ذراعه
في الفضاء
كنــا نـــصغي
للمطرقـــة
تصفع وجه الحديد
أشياؤك في رئتــي
مــوجة من حنيــن
ناصر ، حســـن اللحام *،
أصدقاء المركب القديم،
الداكير يا أبي
مطحنة المعدن.
تخلف هياكلاً عائمة
تتمرأى
يحتفي بها الماء
دعنا نلمس،
نقبل بدلتك
نعلقها شراعاً
نبحر بها أنىّ نشاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• الداكير : منطقة بصرية تعنى بصناعة السفن
• حسن ، صيوان ، ناصر : أصدقاء أبي
• كريم : شقيق الشاعر
• التامي : آلة مساعدة تستخدم في أعمالهم
الشاعر العراقي: حبيب السامر
العراق (البصرة) 1957. لديه سبعة دواوين شعرية.
عذراً التعليقات مغلقة