إعلام” السعودية و”إعلام” قطر.. واحد سقط وآخر ينتظر”

إعلام” السعودية و”إعلام” قطر.. واحد سقط وآخر ينتظر”

آخر تحديث : الأحد 20 أكتوبر 2024 - 2:43 مساءً

انه يوم انتكاس الصورة المرممة بصعوبة للسعودية في العراق، فبعد سنوات من المهادنة الاعلامية والسياسية اثر المصالحة الايرانية السعودية ، عادت حناجر عناصر المليشيات الشيعية الحاكمة في الشارع تردد بقوة “ الموت لآل سعود” والسبب في هذه المرة سقطة اعلامية ، محرجة للمؤسسة السياسية السعودية الرسمية ، بل وللمؤسسة الاستخبارية التي تعمل خلفها..

بعد يوم من الضجة التي اندلعت في العراق مع هجوم لعناصر المليشيات الموالية لإيران على مقر انتاجي لقناة ام بي سي في بغداد، أعلنت الهيئة العامة لتنظيم الإعلام السعودية أنها أحالت مسؤولين في القناة للتحقيق بسبب تقرير إخباري بعنوان “ألفية الخلاص من الإرهابيين”.

وقالت الهيئة السعودية، في بيان لها الليلة الماضية، إن التقرير “مخالفٌ للأنظمة والسياسة الإعلامية للمملكة”.

وأوضحت أن التحقيق أجري “لاستكمال الإجراءات النظامية تجاه هذه المخالفة”.

وجاء في البيان السعودي: “أحالت الهيئة العامة لتنظيم الإعلام في المملكة مسؤولين بإحدى القنوات التلفزيونية للتحقيق، بسبب تقرير إخباري مخالف للأنظمة والسياسة الإعلامية للسعودية، لاستكمال الإجراءات النظامية تجاه هذه المخالفة”.

والاعلام السعودي نزل الى ميدان المعركة الدائرة بين محور المقاومة وإسرائيل من دون ان يكون له هناك قراءة للمصالح السياسية والأمنية الاستراتيجية للسعودية في علاقتها التي جرى ترميمها مؤخرا مع ايران قائدة محور المقاومة المشتبك في ميدان الحرب اليوم .

هناك طرفان متناقضان في المعادلة الإعلامية مع اندلاع الحرب، كما كان الحال في المربع الأول قبل عشرين سنة ، الاعلام السعودي ومعه الاعلام الاماراتي يباشران الاشتباك الإعلامي مع مسار محور المقاومة لاسيما حزب الله ومليشيات الحشد الشعبي بالعراق  ذراع ايران القوية المهددة للامريكان انفسهم، وهناك اعلام دولة قطر المتمثل بقناة الجزيرة التي تعيش تطبيعا عميقا مع إسرائيل وتلعب دورا مزدوجا في الوقوف الإعلامي مع محور المقاومة ، لاسيما في ملف قطاع غزة الذي يكتسب شرعية إسلامية وعربية وربما دولية أيضا.
كانت المملكة العربية السعودية قد اختارت تأسيس مجموعة قنوات MBC السعودية كي تكون نافذتها التي تطل منها على العالم العربي لتبشر بأفكارها ورؤيتها للعالم. وقد كرست المملكة لهذه القناة الفتية إمكانيات مالية وتقنية هائلة لا تضاهيها أية قناة عربية اخرى ولا حتى قناة الجزيرة القطرية. غير أن هذه القناة ترتكب يومياً الخطأ بعد الاخر ضمن المعايير المهنية الواجب مراعاتها في ظروف الحرب والاشتباك السياسي، وقد أوقعت نفسها قبل ايام بمأزق لا تحسد عليه، ما كان يفترض ان تقع به أساساً، بعد أن بثت تقريرا إخباريا مدته 15 دقيقة تحت عنوان “ألفية الخلاص من الارهابيين” أعده صحفي سعودي شاب اسمه محمد المشاري. استعرض التقرير برؤية تفتقر إلى الحس السياسي الذكي ولم تلتفت الى سياسة الحذر التقليدي السعودي ، بل يفتقر الى معرفة بالرأي العام العربي وتاريخ “الإرهاب” في المنطقة، وزج في آخر دقيقتين منه اسمي إسماعيل هنية ويحيى السنوار بين اسماء القائمة. ولعل القشة التي قصمت ظهر الاعلام السعودي في العراق هو التعرض لرمزين من رموز العراق الجديد ذي الحكم الشيعي اليوم وهما الجنرال الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ذراع ايران السابقة في العراق وابرز مساعدي سليماني. قامت الدنيا ولم تقعد بعد بث البرنامج حتى اضطرت MBCإلى سحبه من موقعها دون ان تنبس ببنت شفة كما يقولون. بغض النظر عن المواقف السياسية، فان جميع المراقبين اعتبروا ما جاء في البرنامج عملاً أخرقاً يفتقر إلى فهم سياسي او اعلامي ناهيك عن البعد الأخلاقي. وتساءل العديد: لماذا تتبرع فضائية سعودية بتشويه سمعتها والدفاع عن إسرائيل امام جمهور عربي غاضب. الم يكن الأحرى بها أن تصمت على اقل تقدير. 

 للرد على بعض التساؤلات، لا بد من القول بداية إنه كان يفترض بأن يكون للمملكة العربية السعودية، وبحكم الاستقرار السياسي الذي عاشته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا، كادر إعلامي مقتدر اسوة بالدول العربية المجاورة كمصر والعراق ولبنان وسوريا، لكن يبدو ان المملكة لم تحاول بناء كوادرها الوطنية واستسهلت الاعتماد على الكفاءات العربية ومن أبرزها الكفاءات اللبنانية فضلا عن الركون الى بعض الإعلاميين المصلحيين من جنسيتها المقيمين في بريطانيا وسواها.

 لهذا السبب ربما عجزت المملكة عن تقديم صحفيين سعوديين كبارا، او مقدمي برامج مشهورين، او كتاب يشار إليهم بالبنان أو حتى فنانين على مستوى العالم العربي. 

لتلافي هذا العجز اضطرت السعودية في كثير من الاحيان إلى شراء “الكفاءات” المصرية واللبنانية والعراقية بأموال سخية، لكنها في الحقيقة ليست كفاءات مهنية وانما كفاءات موالية لها وحسب. لقد ظهر مؤخراً تركي آل الشيخ، مسؤول الترفيه والمشترك في توجيه قطاع الإعلام السعودي، ليقول للإعلامي المصري عمرو أديب بفرح غامر إنه “صناعة سعودية” ويبدو ان ال الشيخ صدق نفسه. ووفق المنطق نفسه اشترت السعودية المطرب العراقي ماجد المهندس وألبسته عقالاً ليصبح واحدا من اكبر فنانيها في الوقت الذي فقد نكهته العراقية التي هي أساس الانتشار ودخل في المستنقع اللبناني السعودي .

 يبدو أن السلطات السعودية المعنية غير معنية بصيانة وتحصين وابتكار موسسات الاعلام والصحافة والفن بوجه عام، وربما يتذكر البعض مشهد الملك سلمان بن عبد العزيز متفاجئا في مناسبة عامة بمطرب سعودي شهير جدا  هو “محمد عبدة” يمد يده لمصافحة الملك الذي يلتفت إلى حاشيته ليسألهم “مَن جاء بهذا إلى هنا؟”. 

إلى ذلك، يروي في واشنطن الصحفيون العرب الذين عملوا في صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية إبان فترة الحصار الاقتصادي الذي فرضته الامم المتحدة على العراق في تسعينات القرن الماضي انهم كانوا يتلقون رسائل رسمية من “مراجعهم” تنتقد فيها تعاطفهم مع العراق في تغطيتهم الاعلامية للأنباء المتعلق بذلك الحصار.

  قد يرجع السبب الرئيس وراء فشل الاعلام السعودي إلى غياب الاهتمام والرغبة من جانب القيادات  الأمنية والسياسية السعودية المختصة بجهاز الإعلام والذي يعكس عدم فهم تلك القيادات في القرن الماضي لأهمية الإعلام ودوره في تكوين الرأي العام. لكن تأسيس السعودية لمجموعة MBC عام 1991 كان يفترض ان يشكل نقطة تحول في التفكير السعودي الرسمي، ولكنه اليوم يثبت فشله الذريع رغم مليارات الدولارات التي هدرت عليه. ولماذا يحدث هذا الإخفاق الفاضح لمؤسسة إعلامية عمرها أكثر من ثلاثة عقود دأبت على تعريف نفسها بأنها “أكبر مجموعة إعلامية رائدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” وانها تمتلك مؤسسة لإعداد الكوادر الإعلامية وصقل مواهبها. والسؤال الاهم والذي يحتاج من السعوديين أنفسهم وقفة تأمل هو لماذا فشلت أكبر مؤسسة إعلامية في العالم العربي في كسب الرأي العام العربي؟

فشل الاعلام السعودي واضح لكنه لا يعني انّ دولة قطر لديها اعلام ناجح، فإعلامها حذر في الاعتبارات السياسية الدقيقة، لكنه معزول في محور عليه ملايين الانتقادات الجدية. 

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com