العلاقة بين ألف باء ونطق الكلمة
د. توفيق رفيق التونچي
قارئي الكريم، انتبهت وانأ ادرس اللغة الاسبانية ومنذ سنين انّ حرفا لا وجود له في ألف بائية هذه اللغة اللاتينية البديعة لا كتابة ولا لفظا صوتيا. لغة يكسوها ستار من كلمات فينيقية، امازيغية و عربية ولاتينية واسبانية بطبيعة الحال، برغم تعلمي هذه اللغة أي الاسبانية وانا على أعتاب السبعين وكلغة عاشرة ليس بالأمر الهين.
سألني صديقي الايرلندي عن حالي مع هذه اللغة ؟
فقلت ما اسمعه بأذني الأيسر يخرج فورا من الأيمن. خلاصة الحديث (مربط الحچی كما يقول العراقي) ان هذا الحرف المجهول تحول مع الزمن الى حرف اخر كما هي في المعادلات الحسابية أي (X) المجهول. هذا الصوت الجميل هو حرف (الشين) يعتبر أساسا للحروف الشمسية التي أخذت طبيعتها من كرم شعاع الشمس في بلاد الرافدين. تلك التي بدا البشر ومنذ الخليقة معرفة أهميتها ومن ثم عبادتها كمصدر للحياة والحكمة على الثرى . نعم تلك هي” الشمش” والحرف هو الشين (ش).
نصوص الكتابة في اي لغة تعكس البيئة التي تنشأ فيها و(ديناميكية) اي كلماتها تتغير زمنيا ومكانيا وبيئيا وترتبط بتلك البيئة والحالة العلمية والاجتماعية السائدة. اللغة كائن حي ديناميكي تتطور تتغير تنمو وأحيانا تموت. اما حروف الكتابة في اي لغة من لغات العالم فهي ليست من أساسيات تلك اللغة اي اننا نستطيع كتابة اي لغة في العالم ب الحروف الأبجدية او ألاتينية وحتى المسمارية والمصرية القديمة. لكل حرف او شكل معين او حتى صورة صوت لفظي يقابله. اللغة المصرية القديمة فك رموزها عن طريق اكتشاف حجر الرشيد الموجود الان في المتحف البريطاني لوجود نص كتب بلغات ثلاث على النص. وكون النص واحد اي مترجم وعن طريق كلمة واحدة وهو اسم الملك الذي تكرر في النص بثلاث لغات تمكن علماء اللغويات من فك رموز الكلمات ومعانيها. الان يمكن الغناء بكلمات من اللغة المصرية القديمة وحتى بلغات الحضارات الرافيدينة القديمة.
حروف ورسم الأصوات تغيرت عبر العصور ولا زالت تتطور خاصة ما يشمل الرموز وتلك الكتابة الرمزية التي تطورت كثيرا مع اكتشاف عالم الانترنت والتواصل الاجتماعي ونفهمها اينما كنا على كوكبنا الأرضي وهي غير صوتية اي ساكنة( صامتة )تماما كما في إشارة وإشارات اخرى كثيرة لا نحتاج الى قاموس لفهمها. هذه الإشارات تستخدم وتقرئ ساكنة اي دون إصدار اي صوت وأهمها ربما الإشارات المرورية.
هنا أود ان اروي لكم حادثة عن الپيشمرگة ابان اشتعال الحرب في ربوع كوردستان في ١١ ايلول من عام ١٩٦١ وقادها خالد الذكر الملا مصطفى محمد البارزاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني فكان على المخابر ان يتحدث عن طريق اللاسلكي بالشفرة مع المقاتلين على قمم الجبال الاخرى كي لا يفهم ما يقال، وقد فطن احد الپيشمرگة ان اللهجة الهورامية للتخاطب، وهي لهجة جبلية، صعبة لا يجيدها حتى الكورد أنفسهم ،فطلب من المراسل في الجهة التي يراسلها عبر جهاز أللاسلكي ان يبحث عن من يعرف تلك اللهجة وبذلك تمكن من التواصل دون الحاجة الى تشفير المحادثة و دون ان يكشف احد سر حديثهم. ونرى اثار كل ذلك التعددية في اللهجات لحد الان خاصة في بلاد الرافدين وفي بعض المدن العراقية نرى عدد من اللهجات المختلفة وفي كل حي لهجة خاصة به. اما المحور الأخر لاستخدام الكتابة فجاء من التجارة وتوثيق المبيعات والمشتريات والديون والقروض والاتفاقيات التجارية وتوثيق مقدار المبالغ عدديا او الكيل (الاوزان) .
الكتابة بحروف معينة يسهل نطق الكلمات من ناحية ومن ناحية اخرى يتجنب المرء التكرار في الكتابة والتشكيل كما في حرف الشين في الانكليزية حيث تكتب بعشرات الأشكال وتلفظ كلها شين. وقد انتبه الى ذلك اللغويون في لغات اخرى فكتبوها (ș) وذلك بإضافة همزة تحت او على حرف السين. من المعلوم بان الأبجدية التي يكتب بها العربية والفارسية ولغات اخرى وكانت التركية العثمانية تكتب بها كذلك . كانت الأبجدية بشكلها فی اللغة الارامية قبل الاسلام قاصرة على اللغة العربية الحجازية واليهودية في كتابة التواه والمسيحية في الإنجيل. مخارج الصوت للبيئة الصحراوية الجافة في إخراج أصوات كما في حرف القاف ، الحاء، العين، الغين ولا تحتوي كذلك على صور لأصوات اكثر لينا من اللغات الأخرى كما هو ( ۆ ئ ێ گ ڤ چ ڵ پ( وتم استخدام الأحرف الأبجدية المعتادة مع تغيرات أجريت عليها كي تعطي لفظ تلك الحروف قاران مع الاتينية (w è e g v ç ll p) بالإضافة الى وجود أصوات لا تكتب خاصة في اللغة الكوردية وفي التركية مثلا تم تغير حرف ألاتيني ( i ) دون التنقيط
(ı ) أي للفظ ذلك الصوت ولم يتوفر مثلا صورة في ألاتينية لحروف ( ع غ ح خ ) الأبجدية في حين كتب الجيم (c) والحاء والخاء (h ) والغين (ğ) والعين a) ) كما في اسم علي ، Ali والضاد، الزاي والذال (z ) كما في كلمة ظالم zalım ,
ترجيح الكتابة بإحدى الصور لا علاقة له باللغة القومية اي صورة الحروف الهجائية غير قومية. يمكن كتابة العربية بالحروف ألاتينية باتفاق اللفظ مع القارئ كما فعل الجمهورية التركية حين اصدر قانونا بتغير الأبجدية الى الحروف ألاتينية. هذا التغير يمكن تفعيلة لمعظم لغات العالم وتوحيد ألف بائية لجميع لغات البشر.
الا اننا نجد اتجاهات بهذا المسار مثلا في كتابة نصوص الإنجيل بجميع اللغات الاستثناء نراه في النص ألقراني المنحصر باللغة العربية والتوراة بالعبرية في حين يمكن كتابة نصوص الإنجيل وكما ذكرت باي لغة كانت وباستخدام اي خط و حرف من اي لغة: العربية، اليونانية، السلاڤية (السيريلية)، ألاتينية ، اليابانية، الصينية وكتابات اخرى ومن جميع أنحاء العالم وذلك لان فهم النص والمرويات عند التعبد كان اهم للناس ولم يتم تقديس كتابة او لغة النص كما هي عليه في العربية والعبرية مثلا.
كان هناك عدد من المحاولات بكتابة النص القرآني بالفارسية والتركية وحتى بالبوسنية وشاهدت حتى كتبا ترجم فيها معنى النص الى الانكليزية و السويدية لكنها تبقى نصوص خارج النص العربي ولا يمكن التعبد بها فنحن نصلي بالعربية مهما كانت لغتنا إلام القومية وأينما كنا.وهذا يعني بدوره ان من يتكلم لغة ما ويجيدها وينتمي الى ثقافتها ليس من مطلوبا منه ان ينتمي الى ذلك القوم.
لا ريب ان حتى نصوص القران في بداية التدوين لم ترسم بالحروف الأبجدية الحالية ولم تكن هناك تنقيط او تشديد ( الشدة والضمة والفتحة والكسرة، التسكين ) وأمور أخرى يتحكم بتلاوة النص الحكيم من الوقفة الإلزامية والاسترسال وعدم التوقف. الحروف القديمة لكتابة النص كانت معروفة قبل ١٤٠٠ عاما ويكتب بها لغات اخرى في الجزيرة العربية كالحروف الكتابة بخطوط من الفينيقية والمصرية القديمة و الآرامية (الكنعانية) والمسندية (اليمنية)
اما الكتابات الأبجدية الحالية بجميع إشكالها ( الرقعة، الديوان، النسخ، الكوفي، المحقق، الريحاني، المكسر، الثلث، الفارسي، المغربي التركي، ……) فكلها مستحدثة ولا علاقة لها بالشكل الذي ورد عند تدوين القران الكريم أيام نزول الرسالة المحمدية.
تشكيل الصوت اي إعطاء شكل للصوت الصادر من الحنجرة بدا مع الكتابة وفي الحضارات الشرقية والحاجة ام الاختراع كما يقال، والحاجة للكتابة بدأت على محورين احدهما ديني استغل حصيرا من قبل رجال الدين والكهنة وأقربائهم وبقت بعيدة عن عامة الناس اذ بقى العامة يتحدثون بلهجاتهم الخاصة بهم وبما ان التواصل والسفر بين الأقوام كان صعبا جدا فكانت بعض العوائل تتحدث بلهجات خاصة بها تستخدمها كسلاح كي لا يفهم الآخرون ما يتحدثون به من إسرار.
تبقى مسالة توحيد لغات العالم قراءة وكتابة لتسهيل الاتصالات والتفاهم بين الشعوب أملا و حلما نبيلا للبشرية جمعاء في المستقبل.
الأندلس
2024
عذراً التعليقات مغلقة