صبحي ساله يي
في الاجواء التي أحاطت بالحملة الانتخابية في إقليم كوردستان تصاعدت نبرة الخطابات وإختلفت في مضمونها وأسلوب عرضها وطريقة سعيها لاستقطاب أصوات الناخبين.
أصحاب الإرث النضالي ( البارتيون) عرضوا بهدوء ووفق خطط مسبقة، إنجازاتهم ومكاسبهم المتحققة وإلتزموا بسياسة الإعتدال وضبط النفس وتبنوا تطلعات الكوردستانيين واحتياجاتهم اليومية.أما الآخرون فقد إتجهوا نحو خطابات شعبوية فيها الكثير من الإزدواجية والمتناقضات التي تضم أسلحة مسمومة ذي حدين يمكن أن تجرحهم، قبل أن تصيب غيرهم، وربما تبقيهم خارج التأثير السياسي وتُصعب عليهم التراجع عن مواقف معينة لاعتبارات سياسية أو مرحلية أو للحفاظ على ماء الوجه.
وبعد إعلان النتائج الأولية للإنتخابات، إبتعد (البارتيون) بحزم عن كل ما يمكن أن يعكر صفو أمن الإقليم أو يستهدف تشويه سمعة العملية الإنتخابية، وفي البيان الصادرعن إجتماع اللجنة المركزية لحزبهم (لحزب الديمقراطي الكوردستاني) الذي عقد برئاسة الرئيس مسعود بارزاني، ركزوا على أولويات حماية المصالح القومية والوطنية العليا للكوردستانيين، والحفاظ على كيان الإقليم، وتشكيل حكومة موحدة وشاملة، كما أكدوا حماية حقوق وحريات شعب كوردستان وخدمة المواطنين، ودعوا الى تصفير المشكلات وتقنين العمل السياسي والتفرغ لتعزيز الديمقراطية، كما أدهشوا الجميع حينما أعلنوا عدم وجود ( فيتو) على أي شخص أو جهة سياسية في تشكيل الحكومة المقبلة في إقليم كوردستان.
وعند الآخرين تم تجاوز الخطوط الحمر، وبدأ التشكيك في نزاهة مفوضية الإنتخابات ودقة الأجهزة الألكترونية وصحة البيانات ونسبة المشاركة، وظهر في فضاء التشويش حفنة من أشباه سياسيين أنصاف إعلاميّين وأصحاب رأي مأجورين ومضلّلين وهم يبدعون في خلط الأوراق وتزييف الحقائق وتحوير الوقائع لصالح نزوات ومغامرات شخصية وحزبية وسياسية، أوخدمة لأجندات غير واقعية على حساب رؤية الصورة الكبيرة الواضحة التي لايمكن حجبها، وإستغلال وسائل الإعلام التقليدية ووسائل مواقع التواصل لترديد المصطلحات المُضللة الغائمة بهدف قلب الطاولة وتجميل الهزائم وتحويل المنبوذ إلى سياسي وبطل أو في أقل تقدير تهييج العواطف لإشغال الجميع بمعارك جانبية، وتضليل الذين يطرحون الأسئلة الجادة حول نتائج الإنتخابات وتداعياتها ومآلات الأوضاع الكوردستانية ومستقبل العملية السياسية في الإقليم.
من تأمّل ومراجعة ما حصل، ومحاولة تفادي ما يمكن تفاديه، يمكن القول: أن الضجيج الاعلامي للإزدواجيين لا طائل منه سياسياً، ولا يتعدى مجرد زوبعة في فنجان، لأنهم في أحسن تقدير لا يقولون سوى ربع الحقيقة التي تهدف الى إنتزاع مكاسب غير مشروعة لحساب جهات سياسية معينة والتشويش على دور البارتي كقوة معتبرة ووازنة.
الكوردستانيون بحاجة إلى التسليم بنتائج الإنتخابات بعد المصادقة عليها والتعامل معها بروح المسؤولية، ودفن الخلافات المفتعلة، ولا يجدون مبرراً واحداً في الإقدام على إثارة موضوعات كانت قد حسمت بالقانون، وبالوثائق والمستندات، وعزَّزتها مصادقة الجهات الحكومية عليها، وبخاصة مشروح حسابي. ويرون غيوماً سوداء تتجمع في أفق المنطقة ويتوقعون تغييرات في توازن القوى بين الثيران الهائجة، لذلك يدعون بشدة الى حسن التصرّف والتفاهم على القواسم المشتركة والأولويات المطلوبة والإبتعاد قدر المستطاع عن محاولة أمساك العمليّة السياسيّة من عنقها، وعدم محاصرة الحكومة بإبقاء باب البرلمان مقفلا وإثارة الاحتكاكات والاستفزازات والحساسيات والمخاوف بالتصريحات غير المسؤولة وخلق العداوات مع البارتي والهروب الدائم نحو الأمام.