نزيف الروح.. بعيداً حيث القرية تنام- عبدالرحيم عاوة

نزيف الروح.. بعيداً حيث القرية تنام- عبدالرحيم عاوة

آخر تحديث : السبت 2 نوفمبر 2024 - 8:26 مساءً

نزيف الروح

عبدالرحيم عاوة 

FB IMG 1711453321540 - قريش

كاتب من المغرب

منذ مدة ليست بالقصيرة تولد في قلبي خوف غامض من الكتابة، هذه الأخيرة التي تجرفك بعيدًا حيث تعيش في عالم موازٍ تصنعه أناملك وأفكارك المجنونة حول كل ما تراه أو تعيشه. إنها إدمان شاق ومؤلم يدفعك لتجرع أحاسيس وآلام أكبر من تفاهة الوجود العبثي، الذي يغرس مخالبه في أعماق عقلك، يستأصل كيانك ويضعه أمام ناظريك في مشهد سريالي. الكتابة عقاب يشبه عقوبة نسر الدم عند شعب الفايكينغ، فكل حرف هو حفر في ضلوعك وأنت حي وإخراج للرئتين والأمعاء لتشكل جناحين فوق أكتافك. إنها النسر الدموي، موت وحشي بطيء ومؤلم.

الكتابة التي انقطعت عنها منذ زمن سكنتني وأصبحت مرضًا مزمنًا يترجم في حوارات طويلة مع نفسي وسرد مستمر للكلمات بشكل خافت خشية اللعنة والألم الذي يتركه الحرف بعد نزوحه من الذات إلى الورقة.

واليوم فقط أعلن عودتي للألم، للكتابة وأي شيء سيكتب وكل ما في العالم ينهار من حولنا. كان لي بالأمس رفاق أحياء فغادروا هذا العالم لسبب أو لآخر، فمنهم من رحل رحلة اللاعودة فاحتضنته أمواج الأطلسي لجمال روحه وعذوبتها، ومنهم من ارتقى شهيدًا في حرب كان جزءًا منها بحروفه وكلماته، ولم تكن الكلمة درعًا واقيًا من طائرات العدو الغاشم فلم يعد هناك خبر. قضوا كأنهم لم يكونوا في هذا العالم، فمن نحن بعدكم سوى أشباح تتراقص على أضواء مصباح شاحب شارف على الانطفاء.

هذا الأمل الذي يجتاحني هذا الصباح في الجهر بالكلمات التي رددتها طويلًا كتراتيل راهب بودي اعتنق الصمت واعتزل الوجود الإنساني لبشاعته ووحشيته القاتلة. أكتبها اليوم وأشعر بألم دفين في أعماق صدري المهترئ، أكتبها وأنا أستحضر ليالي الأدب والحوارات الماراثونية مع لاتينوس، أحلام، لطيفة التي اختطفتها الكورونا، فغادرت كما دخلت بدون هوية أو عائل، والوعل الذي يقاوم بشجاعة هجمات المرض، هذا العدو الذي اعتقد أنه أمام شخص عادي، لم يدرك أنه تدرب على الموت منذ فتح عينيه على الوجود هناك بعيدًا في القرية التي تنام بين التلال الحزينة.

كلمات دليلية
رابط مختصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com