تهديد أوكرانيا بتصنيع القنبلة الذرية زوبعة في فنجان لكسب مزيد من الدعم المالي للغرب مع احتمال عودة العلاقات بين دول أوروبا وروسيا الى سالف عهدها
أوكرانيا لا تمتلك لا الامكانات المادية ولا التقنية لتصنيع القنبلة الذرية ولا رغبة في أوروبا لمساندة هذه الاستراتيجية
عبد العزيز حيون
كاتب وصحفي من المغرب
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن عزم أوكرانيا تصنيع القنبلة النووية لمواجهة روسيا عسكريا مع يقين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه لن يلقى دعم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب البراغماتي بخلاف الرئيس جو بايدن الذي ستنتهي ولايته في الأفق المنظور ، خاصة وأن ترامب، الذي من جهة يرفض مبدئيا أن تدخل واشنطن في عهده غمار الحرب غير المباشرة مع موسكو قد لا تربح منها الشيء الكثير ، ومن جهة أخرى حبل الود بينه وبين زيلينسكي شبه منقطع بسبب قضية سابقة تتعلق بنجل الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته.
ويبقى تهديد الرئيس الأوكراني بتصنيع القنبلة الذرية مجرد زوبعة في فنجان ليثير ربما خوف دول الاتحاد الأوروبي التي خفتت مشاعرها مع روسيا بسبب تأييدها “اللامشروط” لكييف، في السنين الأخيرة ، وتقليص المعاملات التجارية التي كانت مربحة للقارة العجوز التي قادتها بحكمة وبعد نظر المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل ،صديقة فلاديمير بوتين ، وفي المقابل لكسب اهتمام واشنطن وضمان دعمها المالي السخي وامدادها بالسلاح، التي يرى المتتبعون أنها غير ناجعة ولا كافية لمواجهة قوة من حجم روسيا، ولربما أيضا لإثارة الغيرة الوطنية لدى الأوكرانيين الذين أنهكتهم الحرب ماديا ونفسيا وتقض مضجعهم .
ويبقى السؤال الجوهري في المسألة هو هل الاتحاد الأوروبي مستعد لدعم أوكرانيا المتهالك اقتصادها ولو معنويا والاضطلاع بدور الوسيط بين كييف وواشنطن ، أم سيترك القرار للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ، الذي لوح يده اليمنى ،إيلون ماسك ،بأنه على اتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل ربط الاتصالات الرسمية مع موسكو لبحث آفاق علاقات البلدين القويين ، مع استحضار أن الولايات المتحدة الأمريكية في عهدها الجديد وعقيدتها الاقتصادية الجديدة / القديمة تسعى الى تعزيز أدوارها الاقتصادية في العالم وبلوغ حتى أقصى الآفاق لكسب مزيد من الأرباح والامتيازات ،وهو ما ورد بإصرار خلال خطاب ترامب أثناء حملته الانتخابية .
والكل يعرف أن ليست للاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن القدرة ولا الجهد لمجاراة وتلبية طلبات أوكرانيا التي لا تنتهي والتي تجر وراءها اقتصادا هشا ومشاكل مجتمعية مستعصية ومعقدة تخفف أوزارها الهجرة المفتوحة والمكثفة للاوكرانيين لدول الاتحاد الأوروبي، مع العلم أن الاتحاد الأوروبي أيد مضطرا واشنطن في دعمها العسكري والمالي لكييف في حربها مع روسيا قبل نحو عشر سنوات ،وبالتالي خسر الاتحاد الأوروبي “صديقا استراتيجيا ” مثل روسيا، التي كانت تلبي حاجياته من الموارد الطاقية بأريحية وبتكلفة أقل بكثير مما هو عليه الأمر حاليا، إضافة الى أن الاتحاد الأوروبي لم يكن ينظر إلى روسيا كخطر يتهدده يستوجب الرفع من فاتورة ميزانيته العسكرية والأمنية ووسائل الدفاع .
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح حاليا، هو ماذا سيقرر الاتحاد الأوروبي في علاقاته المستقبلية مع روسيا وما موقفه القادم من “الحرب الروسية-الأوكرانية ؟، وهل سيحاول المنتظم الأوروبي تحريك عجلة التناغم والتوافق ومحاولة كسب ثقة موسكو مجددا واستباق ضخ دماء جديدة مع الجارة الشرقية ؟،أم أنه سيضطر لانتظار موقف واشنطن ، التي أثبتت الولاية السابقة لترامب، أنها تعطي الأولوية لمصالحها الذاتية والخاصة ولو في التعامل مع أعداء الأمس، وكل جهة أرادت الحصول على دعم أمريكا عليها أن تؤدي الثمن “كاملا وغير منقوص” حسب قيمة ونوع الخدمة ، والأمثلة عديدة لازال يذكرها تاريخ الأمس القريب .
وكم من مرة صرح مسؤولو واشطن أيضا في عهد دونالد ترامب السابق عن أن منظمة حلف الشمال الأطلسي (ناتو) ، التي تأسست سنة 1994 ، ليس من واجبها حماية دول الاتحاد الأوروبي بل واجبها يركز على ضمان التوازن الأمني والعسكري الاستراتيجي العالمي وفق توجهات تتطلب مساهمة كل المعنيين بميزانيات سخية تقوي بنيات النظام العسكري الموحد وكذا عبر آليات عقيدة تتأسس على التكامل العسكري .
وانطلاقا من هذا الواقع هل ستقنع دول الاتحاد الأوروبي روسيا؟ بتجاوز خلافات الماضي واستشراف المستقبل وبدء علاقات جديدة بما يرضي الطرفين مع الإسراع في رفع العقوبات عن روسيا، التي لم يتأثر اقتصادها كثيرا بعد أن تمكنت موسكو من تغيير وجهتها نحو الصين والدول الحليفة لها في آسيا خاصة .
ولعل مبادرة المستشار الألماني أولاف شولتس بالاتصال هاتفيا يوم 15 من شهر تشرين الثاني/ نونبر الماضي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، لأول مرة منذ شهر كانون الأول دجنبر من سنة 2022 ،وبحثهما ، على مدى ساعة من الزمن ،”بشكل صريح ” الوضع والحرب في أوكرانيا، وفق مضمون بيان الكرملين الخاص بالموضوع .
وشدد بيان الكرملين على أن “الاتفاقات المحتملة (لإنهاء الحرب في أوكرانيا) يجب أن تأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية للاتحاد الروسي وتنطلق من الواقع الجديد على الأرض. والأهم من ذلك معالجة الأسباب الجذرية للنزاع”، وقد يفهم من هذا أن روسيا، وهي في موقع قوة ستفرض شروطها على الأوروبيين وليس ما تخسره بعد أن تجاوزت مراحل صعبة أنهكتها الى حد ما إلا أنها لم تضعف قوتها العسكرية ولا الاقتصادية.
وفي حقيقة الأمر ليست هناك دولة واحدة من دول المنتظم الأوروبي قادرة على دعم أوكرانيا في حربها الضروس والمكلفة ماديا مع روسيا ،القوة الصلبة التي تمتلك ترسانة عسكرية قوية وكبيرة ومتنوعة، مع العلم أن الاتحاد الأوروبي لا يتوفر بتاتا على حلف عسكري قاري مشترك وتبقى مظلته الأمنية الواقية الوحيدة حبيسة الناتو، الذي تتحكم في نظامه واشنطن ، وفي المقابل لا تتوفر أوكرانيا لا على الامكانات المادية الضرورية ولا حتى على المعرفة العميقة لتصنيع الأسلحة الفتاكة، التي ذهبت مع اندثار الاتحاد السوفياتي سنة 1991 .
ومن نافلة القول اعتبار أن كييف تمتلك الشروط العلمية لتصنيع القنبلة الذرية وتصميم السلاح النووي وهو ما يكلف وضع برامج طويلة المدى تمتد لسنوات عديدة، مع العلم أن روسيا لن تقبل بذلك وستواجه ، مهما كلفها ذلك من جهد ، وكذلك حال الاتحاد الأوروبي الذي سيتضخم الخوف لديه وهو لا يريد أصلا أن تجاوره قوة نووية قد يتغير نظامها السياسي في أية لحظة يتحكم في أجهزته ،الخفية والظاهرة ، حلفاء من الجغرافية القريبة كما من الجغرافية البعيدة ،دون الحديث عن رأي المنظمات الأممية ذات الصلة وحلف الناتو الذي لن يقبل أن تمتلك هذه القدرة دولة من خارج محيطها المؤسسي .
وإذا ما مآل أوكرانيا مع عودة دونالد ترامب الى تدبير شؤون أقوى دولة كانت حليفة لكييف حتى عهد قريب، إذا لم تتغير مواقف حاكم البيت الأبيض ؟، وكيف ومتى ستتغير الأوضاع الداخلية السياسية في أوكرانيا مع زوال دعم واشنطن المتوقع ومغادرة فولوديمير زيلينسكي كرسي الرئاسة؟ ، مع العلم أيضا أن زيلينسكي انتهت ولايته يوم 20 من آيار / مايو الماضي وتم إلغاء الانتخابات الرئاسية ، التي كان ينبغي ان تجرى هذا العام باوكرانيا بحجة “الأحكام العرفية والتعبئة العامة”.
ويجب أن نقرأ ونحلل بإمعان ما كتبه على موقع “أوكرايين. رو” المحلل السياسي فلاديمير سكاتشكو، حين اعتبر أن تنظيم الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا سيؤثر فيها عاملان : أولاً، عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وطرح خطته لحل الأزمة الأوكرانية وفق منظور استراتيجي وبراغماتي خاص ؛ وثانيًا، في كييف، على سبيل الاحتياط، يقومون بإعداد منصة للمفاوضات المحتملة مع موسكو” ،ومن دون شك هذه الأخيرة تشدد على أن الحوار ممكن في حالة واحدة إذا غادر زيلينسكي منصبه الرئاسي بعد فشله في الانتخابات وتغيير قيادة كييف .
وبالتالي ستصبح الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، التي لم يحدد موعدها بعد ، “بداية لتسوية شاملة بين الغرب وروسيا”، وفي الوقت ذاته قد يحاول زيلينسكي الاحتفاظ بالسلطة الأولى في البلاد من خلال تأجيل الانتخابات بكل الطرق الممكنة.
المقال خاص لصحيفة قريش – لندن