بيروت- قريش:
صدر هذا الكتاب مطلع العام 2024 م عن دار الخير ببيروت حيث يأتي هذا الكتاب ليعكس روح البحث الدَّقيق والنَّقد الموضوعيّ في دراسة تاريخ شخصيَّة عظيمة هي شخصيَّة الخليفة عثمان بن عفَّان رضي اللَّه عنه.
وفي عالم يتَّسم بالتَّسارع في نشر المعلومات والأخبار، نجد أنَّ الغوص في أعماق التَّاريخ يتطلَّب منهجاً يتَّسم بالتَّحليل العميق والتَّفكير النَّقديّ، حيث يكمن التَّحدّي الأكبر في قراءة الأحداث كما حدثت بالفعل بعيداً عن الأهواء والتَّوجُّهات الشَّخصيَّة.
حقيقة تعتبر دراسة التَّاريخ أحد الأسس المهمَّة لفهم الحضارات وتطوُّر المجتمعات، وقد أريد من هذا الكتاب أن يقدّم صورةً واضحةً وموضوعيَّةً للخليفة عثمان بن عفَّان رضي اللَّه عنه، خاصَّةً في ظلّ ما يروّج له من روايات وأحكام قد تفتقر إلى الدّقَّة والموضوعيَّة، فقد لاحظنا للأسف انتشار العديد من الرّوايات الَّتي تفتقر إلى الصّحَّة وتقلّل من شأن الصَّحابة البررة، وعلى رأسهم عثمان رضي اللَّه عنه، وإنَّ ما يسجّل في ذاكرة الأمَّة عن تلك الفترة التَّاريخيَّة يجب أن يعالج بحذر شديد وبتوثيق تاريخيّ دقيق؛ لذا يسعى هذا الكتاب إلى تقديم تفاصيل موثوقة تدحض تلك الرّوايات المشوَّهة.
إنَّ أهمِّيَّة البحث في هذا الكتاب تنبع من ضرورة إعادة تشكيل الفهم العامّ حول شخصيَّة عثمان بن عفَّان رضي اللَّه عنه ودوره في بناء الأمَّة الإسلاميَّة، فالتَّاريخ ليس مجرَّد سرد للأحداث، بل هو دراسة تتطلَّب تحليلاً موضوعيّاً بعيداً عن النَّظرات المسبقة والتَّوجُّهات السّياسيَّة، إذ أنَّ الخليفة عثمان رضي اللَّه عنه لم يكن مجرَّد شخصيَّة تاريخيَّة، بل كان رمزاً للعدل والتَّسامح والإدارة الرَّشيدة.
هذا الكتاب ليس مجرَّد دراسة تاريخيَّة، بل هو محاولة جادَّة لبيان فضل الصَّحابة ومكانتهم العظيمة في الإسلام وتحذير الأمَّة من أيّ محاولات لتشويه سيرتهم المعطَّرة، ولقد أصبح من الضَّروريّ على أفراد الأمَّة أن يدركوا مدى أهمِّيَّة الاقتداء بهؤلاء الرّجال الَّذين ساهموا في نشر الإسلام وتحقيق العدالة في المجتمعات، ومن هنا يأخذ الكتاب على عاتقه مهمَّة تسليط الضَّوء على هذه القيم النَّبيلة من خلال دراسة شاملة حول أحداث الفتنة الَّتي وقعت في عهد الخليفة عثمان رضي اللَّه عنه، مع التَّركيز على الحقائق التَّاريخيَّة الَّتي يمكن استنطاقها من النُّصوص الدّينيَّة والأدلَّة التَّاريخيَّة.
يتألَّف الكتاب من خمسة فصول، تتناول كلَّ منها جانباً مختلفاً من حياة الخليفة عثمان رضي اللَّه عنه، فالفصل الأوَّل يُقدّم بطاقةً شخصيَّةً للخليفة مستعرضاً فضائله من خلال الآيات القرآنيَّة والأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة، وفي الفصل الثَّاني تناول المؤلِّف مساهمات الخليفة عثمان رضي اللَّه عنه في بناء الدَّولة الإسلاميَّة قبل وبعد تولِّيه الخلافة، ممَّا يبرز دوره الفاعل في تلك المرحلة التَّاريخيَّة الحسَّاسة، وفي الفصل الثَّالث تمَّ تسليط الضَّوء على نموذج إدارة الدَّولة في زمنه مع تناول الشُّبهات الَّتي أثيرت حوله وتقديم الرُّدود اللَّازمة عليها، وفي الفصل الرَّابع تمَّ الحديث عن الفتنة الَّتي أدَّت إلى مقتل الخليفة عثمان رضي اللَّه عنه مع بيان كافَّة الأحداث والظُّروف الَّتي أدَّت إلى حصاره واستشهاده، وفي الفصل الخامس تمَّ عرض أقوال الصَّحابة رضي اللَّه عنهم في البراءة من دم عثمان رضي اللَّه عنه مع استعراض لمصير دعاة الفتنة ومقتطفات شعريّة تُعبّر عن حزن الأمَّة على فقدان هذا الخليفة العظيم.
ولقد قدم هذا العمل إضافة نوعيَّة لمكتبة التَّاريخ الإسلاميّ، وهذا الكتاب يُعدّ مرجعاً للباحثين والمهتمِّين بفهم هذه المرحلة التَّاريخيَّة وفهم دور الصَّحابة في بناء حضارة عظيمة لا تزال آثارها قائمةً إلى يومنا هذا، حقيقة إنَّ تاريخ الخليفة عثمان بن عفَّان رضي اللَّه عنه هو تاريخ أمَّة ومنهج تعليم للأجيال القادمة.وأخيراً: إنَّ ما تُقدِّمه صفحات هذا الكتاب من معلومات دقيقة وتاريخيَّة صحيحة هو دعوة للتَّفكير والتَّأمُّل؛ لنصل جميعاً إلى فهم أعمق لتاريخنا وأبطالنا، ولنستمدّ منهم العبر والدّروس الَّتي تعيننا على مواجهة التَّحدّيات المعاصرة، فالتَّاريخ كما قيل ليس مجرَّد أحداث عابرة، بل هو مرآة تعكس حاضرنا ومستقبلنا