حاتم خاني
اربيل
الجزء الثالث
( ملاحظة قبل تكملة الموضوع : آثرنا التريث في نشر هذه الاجزاء في الفترة السابقة نظرا لانشغال العقل الكوردي بالاحداث التي تعصف بسوريا وترقبنا جميعا لما سيحدث لاخوتنا في شمال شرق سوريا )
تكملة الموضوع , ولنبدأ في الاشارة الى المثال التالي
شاءت الصدف ان يكون احد الزملاء الواعين ومن المتكلمين شاهدا على قضية واختلاف مالي بين شخصين في المحكمة , وبعد استجوابه على شهادته تم سؤاله ب ( لماذا حدث هذا الامر بين الطرفين ……… ) , فاراد زميلنا ان يوضح للحاكم او القاضي ان هذا النوع من المشاكل المالية ازداد بشكل كبير وخاصة في ذلك المجال من العمل , وأنه بالامكان التقليل من انتشارها بوضع بعض القوانين الخاصة بهذه المشاكل المالية التي بدأت تزداد وتنتشر كثيرا في مجتمعنا .
يقول زميلنا , ان الحاكم نظر اليه بازدراء وقال له ( نعم نضع قوانين خاصة لحضرة جنابك عند التعامل في معارض السيارات , وقوانين اخرى خاصة بالحلاقين وقوانين خاصة …………. ) ثم التف الحاكم الى احد المتخاصمين وقال له قدم شكوى الان ضده ( ضد زميلنا ) وساحبسه فورا …….
خرج زميلنا من غرفة الحاكم وهو مصدوم ويقول لم اكن اقصد سوى الاجابة على سؤاله والمشاركة في طرح بعض الحلول واذا بالحاكم يستهزء بنا .
هذه الحالة منتشرة الان في مجتمعنا , حيث لاينصت الى الحلول سوى المصدومين من امثال زميلنا هذا , واذا تكلمت عن ال ( لماذا…. ) سيجيبك الكثيرين بأن القيادة تعرف اكثر منك , كأن الاشخاص الموجودين في السلطة منزلون من السماء ولهم عقول خارقة لا نملك مثلها نحن المواطنون العاديون !!!
ان الطلب من المواطن بالامتناع عن الاستعانة بالمنقذ الذي يقوده الى الفساد او بالتنزه عن اللجوء الى قبول هذه الانواع من العطاءات سيبقيه في خانة الرذيلة والفقر وعدم القدرة على قيادة العائلة , لذا ليس عدلا ان ندعوه الى الوقاية من الفساد , ونترك المسؤول يعيث فسادا في المجتمع , خاصة ان المواطن هو الحلقة الاضعف في هذه المسألة . فعندما يرى المواطن العادي ان بعض الافراد قد اغتنوا بفترة قياسية , وان معظم هؤلاء مشكوك في ولائهم الحقيقي للبلد ستتولد لديه تساؤلات عن سبب بقائه في نهاية الركب ولا سيما ان المرحلة المادية هي التي تقود المجتمع في هذا الوقت .
عندما كانت كل حب الوطن والامور الوطنية هي الشغل الشاغل لعقل المواطن الكوردي حتى العام 2003 , بدأ الشعور بتلك الامور يتراجع واخذت تقبع في اواخر اهتماماته , مثل هذا الشعور الذي اصبح واقعا وهو عدم ايلاء اي اهتمام من قبل الغالبية من افراد الشعب لعملية التعريب الممنهج التي يقوم بها ما يدعون بالمستثمرين ومن خلفهم الدوائر المتحكمة بالقرار , وفي حين كان فراق الاحبة ليس عاديا , بدا وان الكثير من العوائل تفضل تسفير اولادها الى خارج البلد لضمان مستقبلهم , وما اخطر هاتين النقطتين على هوية الاقليم وعلى كيانه , ……( افراغ البلد من شبابه وتعريب مدنه ) ……. .
اي ان هناك قوة متحكمة تجبر افراد الشعب ومن ضمنهم صغار اعضاء الاحزاب الكوردية على السير وفق منهج معد مسبقا , هذه القوة التي تريد لهذا الفساد بالاستمرار سواء كانت من داخل كوردستان او من الدول المجاورة فانها تخدم عدو الكورد .
ونعتقد بأنه لايوجد شعب فاسد , او شعب مذنب او شعب مجرم , ولكن يوجد افراد فاسدون وافراد مجرمون بين الشعب تستغلهم تلك القوى لتعميم كل الوسائل التي تهدم المجتمع وتفكك العوائل وتتجه به الى التقليد الاعمى للمجتمعات المنحلة اخلاقيا ودينيا واجتماعيا دون الاستفادة من الجوانب الايجابية لتلك المجتمعات ولاسيما اننا لازلنا في طور الشرنقة بالنسبة الى حالة التخلف والعصبية القبلية لذا يعتبر مجتمعنا بيئة ملائمة جدا لاحتواء هذا الفساد .
وقد لاحظنا ان معظم الذين يلجأون الى الاستعانة بوسائل الفساد واصبحت حالة عادية بالنسبة لهم هم اصحاب المواقع الادارية
والشخص الذي يلجأ الى الفساد هو بطبعه يستغل موقعه وواسطاته للحصول على مكاسب ليست من حقه ويستشري الفساد بين هؤلاء الافراد نتيجة لاسباب كثيرة من بينها
اولا : غياب تطبيق القوانين التي تنظم العلاقات الاجتماعية مما خلق هوة واسعة بين طبقات المجتمع تزدادا وتتوسع بشكل سريع جدا .
ثانيا : عدم رغبة الحكومة في التدخل لتنظيم هذه العلاقات الاجتماعية الا اذا هددت من هم في السلطة بحيث بدا المواطن يشك بأن من هم في السلطة لديهم الرغبة بمنع انتشار الازمات والمشاكل الاجتماعية بين افراد الشعب . بل اصبح هذا المواطن يدرك تدريجيا بأن وزراء الحكومة , ما هم الا موظفون عاديون ينتظرون رواتبهم كل رأس شهر وليست لديهم اي دوافع لابتكار الحلول وتطبيقها .
ثالثا : اصبحت لدى المواطن قناعة تامة بأن الاحزاب الحاكمة تتجه لاختيار افراد لاستلام مواقع المسؤولية ممن لا يحظون بأي شعبية او بالاحرى مشكوك في نزاهتهم والبعض منهم تفوح منهم رائحة الفساد بحيث لا يمكث احدهم في موقع المسؤولية الا مدة صغيرة وقد اصبح مليونيرا ( بالمعنى الدارج ) , هؤلاء الفاسدين للاسف يتحكمون في معيشة شرائح كبيرة من المواطنين
رابعا : نتيجة النقطتين ثانيا وثالثا , يعتقد المواطن بأن السلطة تقوم بتشجيع نشر الفساد بين المواطنين للتغطية على فسادها او للتغطية على فشلها في كبح جماح الفساد .
خامسا : من اكثر الامثلة الشائعة بين الناس ( حشر مع الناس عيد ) , وللاسف عندما تصبح هذه القناعة يقينا لدى المواطن فانها تشكل عاملا كبيرا لانتشار الفساد
سادسا : مسألة رواتب الموظفين احد اكبر العوامل التي تساعد على انتشار الفساد , وطالما ان السلطة غير جادة في حل هذه المسألة فقد فقد المواطن الثقة بالحكومة , وهذا يدفعه للانجرار الى اتباع الاساليب التي توقعه في براثن الفساد نتيجة احتياجاته الثقيلة التي تبرز وتظهر في المجتمعات المادية النامية والنمو الذي حدث في المجتمع في الاعوام التي تلت سقوط النظام العراقي في 2003 حيث اعتاد المواطن على حياة الرغد وسهولة وصول الاموال اليه , فيمكن القول ان فرد واحد او اكثر من كل عائلة كوردستانية كان يستلم راتبا من الحكومة , فكان المواطن المقعد والفرد الكبير في السن يستلم راتبا من دائرة الرعاية , وكل مواطن يعاني من علة جسدية مهما كانت بسيطة خصص له راتب وللمشرف عليه ايضا مثل امه او اخته , وكل مواطن يدعي بانه كان بيشمركة في وقت من الاوقات مهما كانت خدمته استحق راتبا , اعضاء الاحزاب , اعضاء الاتحادات والنقابات المهنية . عدا الموظف حيث كان الكثيرين منهم يستلم راتبين او اكثر ( احد زملائي كان يستلم ثلاثة رواتب ) ومن غرائب القول ان احدهم كان يملك شركة ويعتبر من متوسطي التجار عاد الى وظيفته التي تركها في التسعينات لعدم وجود الرواتب او قلتها في ذلك الوقت واتفق بعد اعادته الى وظيفته مع المسؤول المالي في دائرته بعدم الدوام لانه مشغول باعمال شركته مقابل تقاسم الراتب !!!!